ليصِحَّ المعنى إذ اللَّقْفُ يستدعي عَيْناً يَصِحُّ تسلُّطُه عليها. وقال الفراء في هذه الآيات: «كيف صَحَّ أن يأمرَهم موسى بقوله: ﴿أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ﴾ [يونس: ٨٠] مع أن إلقاءَهم سحر وكفر؟ وأجاب بأن المعنى: أَلْقوا إن كنتم مُحِقِّين، وأَلْقوا على ما يَصِحُّ ويجوز». انتهى. والظاهر إنما أَمَرَهم بذلك تعجيزاً لهم وقطعاً لشَغَبهم واستطالتهم، ولئلا يقولوا: لو تُرِكنا نفعل لَفَعَلْنا، ولأنَّ الأمرَ لا يستلزم الإِرادة.
قوله تعالى: ﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ﴾ :«هنالك يجوز أن يكونَ مكاناً، أي: غُلبوا في المكان الذي وَقَع فيه سحرهم، وهذا هو الظاهر. قيل: ويجوز أن يكونَ زماناً، وهذا ليس أصلَه، وقد أثبت له بعضهم هذا المعنى بقولِه تعالى: ﴿هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون﴾ [الأحزاب: ١١] وبقول الآخر:

٢٢٦٤ -.................. فهناك يَعْترفون أين المَفْزَعُ
ولا حُجَّةَ فيهما؛ لأن المكان فيهما واضح.
قوله: ﴿صَاغِرِينَ﴾ حالٌ من فاعل»
انْقَلبوا «، والضمير في» انقلبوا «يجوز أن يعودَ على قومِ فرعون، وعلى السَّحَرة إذا جعلنا الانقلابَ قبل إيمان السحرة، أو جعلنا انقلبوا بمعنى صاروا، كما فسَّره الزمخشري، أي:» صاروا أَذِلاَّء مَبْهوتين متحيِّرين «ويجوز أَنْ يعودَ عليهم دون السَّحَرة إذا كان ذلك بعد إيمانهم، ولم يُجعل» انقلبوا «بمعنى صاروا، لأنَّ الله لا يَصِفُهم بالصَّغار بعد إيمانهم.


الصفحة التالية
Icon