والوقفُ عند أبي حاتم على هذه الآية، ثم يَبْتَدِئُ «ما بصاحبِكم». وفي «ما» هذه قولان، أحدُهما: أنها نافيةٌ. والثاني: أنها استفهاميةٌ، لكن لا يُراد به حقيقةُ الاستفهامِ، فيعودُ إلى النفي. وإذا كانت نافيةً فهل هي مَعَلِّقَةٌ، أو مستأنفةٌ، أو جوابُ القسمِ الذي تضمَّنه معنى «تَتَفَكَّروا» لأنه فعلُ تحقيقٍ كتبيَّن وبابِه؟ ثلاثةُ أوجه. نقل الثالثَ ابنُ عطية، وربما نَسَبه لسيبويه. وإذا كانَتْ استفهاميةً جاز فيها الوجهان الأوَّلان، دونَ الثالث. و «مِنْ جِنَّةٍ» يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلاً بالجارِّ لاعتمادِه، وأَنْ يكونَ مبتدأً. ويجوز في «ما» إذا كانَتْ نافيةً أَنْ تكونَ الحجازيَّةَ، أو التميميَّةَ.
قوله: ﴿مَا سَأَلْتُكُم﴾ : في «ما» وجهان، أحدُهما: أنَّها شرطيةٌ فتكونُ مفعولاً مقدماً، و «فهو لكم» جوابُها. الثاني: أنها موصولَةٌ في محلِّ رفع بالابتداءِ، والعائدُ محذوفٌ أي: سَأَلْتُكموه. والخبر «فهو لكم». ودخَلَتِ [الفاءُ] لِشَبَهِ الموصولِ بالشرط. والمعنى يحتمل أنَّه لم يَسْأَلْهم أجراً البتةَ، كقولك: «إنْ أَعْطَيْتَني شيئاً فَخُذْه» مع عِلْمِك أنه لم يُعْطِك شيئاً. ويُؤَيِّدُه ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله﴾ ويُحْتمل أنه سألهم شيئاً نَفْعُه عائدٌ عليهم، وهو المرادُ بقوله: ﴿إِلاَّ المودة فِي القربى﴾ [الشورى: ٢٣].
قوله: ﴿يَقْذِفُ بالحق﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولُه محذوفاً؛ لأنَّ القَذْفَ في الأصلِ الرَّمْيُ. وعَبَّر به هنا عن الإِلقاءِ أي: يُلْقي


الصفحة التالية
Icon