قوله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً...﴾ [١١-٢٤].
أخبرنا أبو القاسم الحذامي، حدَّثنا محمد بن عبد الله بن نُعيم، أخبرنا محمد بن علي الصَّغَاني، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدِّبَرِيَّ، حدَّثنا عبد الرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن أيوبَ السِّختِياني، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس:
أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، وكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال له: يا عم إن قومك يُريدون أن يجمعوا لك مالاً. لِيُعْطُوكَهُ، فإنك أتيتَ محمداً تتعرضُ لِمَا قِبَلَه. فقال: قد علمتْ قريشٌ أني مِنْ أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يُبلغُ قومَك أنك منكرٌ له وكاره. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجلٌ أعلمُ بالأشعار مني، ولا أعلمُ بِرَجَزِها وبقَصِيدِها مني؛ والله ما يُشْبِهُ الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لِقولِه الذي يقولُ حلاوةً، وإن عليه لَطَلاَوة؛ وإنه لَمُثْمِرٌ أعلاه، مُغْدِق أسفلُه، وإنه لَيْعلُو وما يُعْلَى. قال: لا يرضَى عنك قومُك حتى تقولَ فيه. قال: فدَعْنِي حتى أفكرَ فيه، فقال: هَذَا سِحْرٌ يُؤثَرُ يأثُرُه عن غيره. فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ الآيات كلها.
وقال مجاهد: إن الوليد بن المُغيرة كان يغَشَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر حتى حسبتْ قريشٌ أنه يُسلم، فقال له أبو جهل، إن قريشاً تزعم أنك إنما تأتي محمداً وابنَ أبي قُحَافَةَ تُصِيبُ من طعامهما. فقال الوليد لقريشٍ: إنكم ذَوُو أحساب، وذوُو أحلام، وإنكم تزعمون أن محمداً مجنون، وهل رأيتموه [يُجَنُّ قط؟ قالوا: اللهم لا. قال: تزعمون أنه كاهن، وهل رأيتموه] يتكَهَّنُ قطُّ؟ قالوا: اللهم لا قال: تزعمون أنه شاعر، هل رأيتموه يَنطقُ بشعر قطُّ؟ قالوا: لا. قال: فتزعموا أنه كذاب، فهل جَرَّبتم عليه شيئاً من الكذب؟ قالوا: لا. قالت قريش للوليد: فما هو؟ [فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس]، فقال: ما هو إلا ساحرٌ، وما يقولُه سحرٌ. فذلك قول: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾.
قوله عز وجل: ﴿أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ؟!﴾ [٣].
نزلت في عَدِيّ بن رَبيعةَ، وذلك: أنه أَتَى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: حدِّثني عن يومِ القيامة متى يكونُ؟ وكيف [يكون] أمرُها وحالها؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: لو عاينتُ ذلك اليومَ لم أصدقْك يا محمدُ، ولم أُومِنْ به، أو يَجْمَعُ اللهُ هذه العظامَ؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية.