﴿ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾:
(مَنْ جعل) هذا الأمر عامّاً (في جميع) الآباء الأحياء والأمواتمن المؤمنين والمشركين، قال: هو منسوخٌ منه بعضُه بقوله: ﴿مَا كانَ للنّبيِّوالّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِين﴾ [التوبة: ١١٣] - الآية - وبقوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُعَدوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنه﴾ [التوبة: ١١٤] - وهو قول ابن عباس - قال: لما مات (- يعني: أباإبراهيم - على كفره) أمسكَ إِبراهيمُ عن الاستغفار له.
قال أبو محمد: ويجوز أن تكون هذه الآيةُ مخصوصةً في الآباءالأموات المؤمنين، خَصَّصها وبيَّنها قولُه: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَمِنْه﴾ [التوبة: ١١٤] أي: لما مات على كُفْرِه تَرَكَ الاستغفارَ له، فخَصَّصَه بتركالاستغفار لمن مات من الآباء على كُفْرِه، وبقي الأمر بالاستغفار لمن ماتمن الآباء مؤمناً.
ثم خصّصها (أيضاً) تخصيصاً آخر قولُه: ﴿مَا كَانَ للنبيِّ والذينآمَنُوا أن يَستَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِين﴾[التوبة: ١١٣]، فَبَيَّن أن المؤمن ليس له أن يستغفرلأبويه المشركَيْنِ وإن كانا حيَّيْنِ فَخَصَّصَ الآيتان آيةَ "سبحان"، فصارت فيالآباء المؤمنين الأحياء والأموات خاصة، وهذا على قول من جعل آية"سبحان" غيرَ عامة مخصوصةً فيما ذكرنا من الآيتين، فهي محكمة على هذا غير منسوخة، إنما دخل فيها بيانان وتخصيصان.
فالآيتان محكمتان: آية "سبحان" في الآباء المؤمنين الأحياء والأموات، والآيتان في "براءة" في جواز الاستغفار للآباء الأحياء من المشركين، ومنعالاستغفار لهم إذا ماتوا على كفرهم، ووقعت الأولى عامّة في منع الاستغفارلأحيائهم وأمواتهم، لكن بَيَّنَها الثانية أنها في الأموات منهم خاصّة.
وقيل: إن ذلك كُلَّه منسوخٌ بقوله: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْلَمْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]. (وهذا وإن) نزل في المنافقين والمشركينإخوانِهم فالحكمُ فيهم واحد، وقد ذكرنا هذه الآية عند قوله: ﴿إِن تَسْتَغْفِرْلَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠].