﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾
قولُه تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عِنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين﴾الآية:
قال قتادة: هي منسوخةٌ بقولِه تعالى: ﴿اقتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُوَجَدتُمُوهُم﴾ [التوبة: ٥]، فعمَّ جميعَهُم.
وقيل: (هي منسوخةٌ بقوله) ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ﴾.
(إلى) قوله تعالى: ﴿حَتَى يُعْطُوا الجِزْيَةَ﴾.
وقال ابن زيد: نَسَخَها قولُه: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِيُوَادُّونَ من حَادَّ اللهَ ورَسُولَه﴾ [المجادلة: ٢٢] - الآية -.
وقال مجاهد: هي محكمةٌ غَيْرُ منسوخةٍ، لَكِنَّها مخصوصةٌ يُرادُبها الَّذين لَم يُقاتِلوا المؤمنين وآمنوا وأقاموا بمكَّةَ ولم يُهاجروا.
وقال الحسنُ: هِيَ محكمةٌ غَيْرُ مخصوصةٍ نَزَلَت في قوم بينَهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهدٌ، وهم خُزاعة وبنو عبد الحارث بن عبد مناف: أمر اللهالمسلمين أَنْ يُوَفُّوا لهم بالعهد وأَنْ يَبَرُّوهم.
وَمِمَّا يَدُلُّ على أنها مُحْكَمةٌ أَنَّ قولَه تعالى: ﴿اقْتُلوا المُشْرِكينَ حَيْثُوَجَدتُمُوهُم﴾ ليس بعامٍّ في كُلِّ مُشْرِكٍ لأَنَّ أهلَ الكتابِ مِنَ المشركين قبلَ أَن يُعْطوا الجزيةَ؛ إذ قد وصَفَهُم الله بصفات المشركين في قوله تعالى:﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ باللهِ ولاَ باليَوْمِ الآخِرِ﴾[التوبة: ٢٩] - الآية - فقال فيها: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ﴾ [التوبة: ٢٩]، وقال عنهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أرْبَاباًمِن دُونِ اللهِ والمَسِيحَ ابنَ مَرْيَم﴾ [التوبة: ٣١]، أي واتخذوا المسيحَ بنَ مريم ربّاً ولاشركَ أَعظَم من اتخاذ رَبٍّ دون الله، فإذا كانت الآيةُ في قتل المشركين حيثُوجدوا غيرَ عامّة جاز خروجُ هذه الآية منها أيضاً، فقوله: ﴿اقْتُلُواالمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُم﴾ [التوبة: ٥] مُخَصَّصٌ ومُبَيَّنٌ بقولِه: ﴿حَتَّى يُعْطُواالجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون﴾ في أهل الكتاب؛ إِذْ هُم من المشركينومُخَصَّصٌ أيضاً ومُبَيَّنٌ بقوله: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَن الذينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين﴾ [الممتحنة: ٨] - الآية - فهي إذاً محكمةٌ مخصوصةٌ في قوم آمنوا ولم يُهاجروا، أو في قوم لَهم عهدٌ على ما ذكرنا، وهي أيضاً مُخَصَّصَةٌ بآية براءةفهي غيرُ منسوخة.