﴿ وَٱلْفَجْرِ ﴾ [آية: ١] يعني غداة يوم النحر ﴿ وَلَيالٍ عَشْرٍ ﴾ [آية: ٢] فهي عشر ليال قبل الأضحى، وسماها الله، عز وجل ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال ﴿ وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ ﴾ [آية: ٣] وأما الشفع فهو آدم وحواء، عليهما السلام، وأما الوتر فهو الله عز وجل ﴿ وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ [آية: ٤] يعني إذا أقبل، وهي ليلة الأضحى، فأقسم الله بيوم النحر، والعشر، وبآدم وحواء، وأقسم بنفسه، فلما فرغ منها، قال: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ ﴾ [آية: ٥] يعني إن في ذلك القسم كفاية لذى اللب، يعني ذا العقل، فيعرف عظم هذا القسم، فأقسم الله﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾[الفجر: ١٤].
وأما قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ [آية: ٦] يعني بقوم هود، وإنما سماها قوم هود، لأن أباهم كان اسمه ابن سمل بن لمك بن سام بن نوح، مثل ما تقول العرب ربيعة ومضر وخزاعة وسليم، وكذلك عاد وثمود، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد، فقال: ﴿ إِرَمَ ﴾ وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم، ثم قال: ﴿ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ ﴾ [آية: ٧] يعني ذات الأساطين، وهي أساطين الرهبانيين التى تكون في الفيافى والرمال، فشبه الله عز وجل طولهم إذا كانوا قياماً في البرية بأنه مثل العماد، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعاً، ويقال: اثنى عشر ذراعاً في السماء مثل أعظم أسطوانة تكون، قال: ﴿ ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾ [آية: ٨] يقول: ما خلق الله عز وجل مثل قوم عاد في الآدميين، ولا مثل إرم في قوم عاد. ثم ذكر ثمود، فقال: ﴿ وَثَمُودَ ﴾ وهو أبوهم، وبذلك سماهم، وهم قوم صالح، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ ﴾ [آية: ٩] يقول: الذين نقبوا الصخر بالوادي، وذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أعظم جبل فيثقبونه، فيجعلونه بيتاً، ويجعلون بابه منها، وغلقه منها، فذلك قوله:﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ ﴾[الشعراء: ١٤٩]، ثم ذكر فرعون واسمه مصعب بن جبر، ويقال: الوليد بن مصعب، فقال: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ ﴾ [آية: ١٠] وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية، ثم سرح عليها الحيات والعقارب، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها، ويدخلون من قبلها ويخرجون من فيها حتى ذابت كما يذوب الرصاص، لأنها تكلمت بالتوحيد، وذلك أنها كانت تمشط هيجل بنت فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله وخيبة لمن كفر بالله، فقالت ابنة فرعون: وأى إله هذا الذي تذكرين؟ قالت: إله موسى، فذهبت فأخبرت أباها، فكان من أمرها ما كان، فذلك قوله: ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ ﴾ يقول: إنه أوثق امرأة على أربع قوائم من أجل أنها عرفتنى. ثم جمع عاداً وثمود وفرعون، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ ﴾ [آية: ١١] يعني الذين عملوا فيها بالمعاصي ﴿ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ ﴾ [آية: ١٢] يقول: فأكثروا فيها المعاصي، فلما كثرت معصيتهم ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ [آية: ١٣] يعني نقمته وكانت نقمته عذاباً، ثم رجع إلى قسمه الأول، فقال: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾ [آية: ١٤] يعني بالصراط، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر، كل قنطرة مسيرة سبعين عاماً، وعلى كل قنطرة ملائكة قيام، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، بأيديهم المحاسر والمحاجن، والكلاليب يسألون في أول قنطرة عن الإيمان، وفي الثانية يسألون عن الصلوات الخمس، وفي الثالثة يسألون عن الزكاة، وفي الرابعة يسألون عن صوم رمضان، وفي الخامسة يسألون عن حج البيت، وفي السادسة يسألون عن العمرة، وفي السابعة يسألون عن مظالم الناس، فذلك قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ ﴾.