قوله: ﴿ وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ ﴾ [آية: ١] أقسم الله عز وجل بالتين الذي يؤكل، والزيتون الذي يخرج منه الزيت ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ [آية: ٢] يعني الجبل الحسن وهو بالنبطية، وهو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى، عليه السلام، يوم أخذ التوراة، وكل جبل لا يحمل الثمر يقال له سيناء.
﴿ وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ ﴾ [آية: ٣] يعني مكة يأمن فيه كل خائف، وكل أحد في الجاهلية والإسلام، ولا تقام فيه الحدود فأقسم الله عز وجل بهؤلاء الآيات الأربع. فقال: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [آية: ٤] يعني يمشي على رجلين وغيره يمشي على أربع، وأحسن التقويم الشباب، وحسن الصورة.
﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ ﴾ بعد الشباب والصورة الحسنة ﴿ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾ [آية: ٥] يعني من الصورة لأنه يسقط حاجباه، ويذهب شبابه، وعقله، وقوته، وصوته، وصورته، فلا يكون شيئاً أقبح منه، وما خلق الله شيئاً أحسن من الشباب، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [آية: ٦] يعني غير منقوص، لا يمن به عليهم، يقول: ليس الأجر في الهرم إلا للمؤمنين، وذلك أن المؤمن إذا كبر ومرض كتب له حسناته في كبره، وما كان يعمل في شبابه وصحته لا ينقص، ولا يمن له عليه، وأما الكافر، فإنه إذا شاخ وكبر ختم له بالشرك، ووجبت له النار فيموت والله تبارك وتعالى عليه غضبان، والملائكة والسماوات والأرض. قوله: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ ﴾ [آية: ٧] يقول: ما يكذبك، أيها الإنسان يعني عدي بين ربيعة بالدين، يعني بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب، بعد الهرم، وفيه نزلت هذه الآية، يقول: يكذبك بالقيامة، فيقول الله: الذي فعل ذلك به قادر على أن يبعثه فيحاسبه، ثم قال: ﴿ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ ﴾ [آية: ٨] على أن يحكم بينك وبين أهل مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، يا أحكم الحاكمين "، يعني يا أفصل الفاصلين، يقول: يفصل بينك يا محمد وبين أهل التكذيب، وكل شىء في القرآن أليس الله يقول: أنا الله. حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا الهذيل، حدثنا مقاتل، عن أبي عبيدة، عن أنس بن مالك، قال: من شاب رأسه في الإسلام، ولحيته كانت له بكل شعرة حسنة، وصارت كل شعرة فيه نوراً يوم القيامة. حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الهذيل، عن خالد الزيات، عن من حدثه، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" المولود حتى يبلغ الحنث، ما عمل من حسنة كتبت لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث، وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يتحفظا وأن يسددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله عز وجل من البلايا الثلاث من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفف عنه حسابه، فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل الإنابة إليه، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب له حسناته، وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وشفع في أهل بيته، وسمى عبدالله أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر ﴿ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئَاً ﴾ [الحج: ٥] كتب له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه ".