﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ ﴾ [آية: ١] يعني شغلكم التكاثر، وذلك أن حيين من قريش من بني عبد مناف بن قصى، وبنى سهم بن عمرو بن مرة بن كعب، كان بينهم لحاء فافتخروا، فعتادى السادة والأشراف، فقال: بنو عبد مناف: نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم شرفاً، وأمنع جانباً، وأكثر عدداً، فقال بنو سهم لبنى عبد مناف: مثل ذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء، ثم قالوا: تعالوا نعد أمواتنا، حتى أتوا المقابر يعدونهم، فقالوا: هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات، لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية من بني عبد مناف، فأنزل الله في الحيين ﴿ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ ﴾ يقول: شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة، فلم تزالوا كذلك ﴿ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ ﴾ [آية: ٢] كلكم يقول: إلى أن أتيتم المقابر. ثم أوعدهم الله عز وجل، فقال: ﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٣] هذا وعيد ما نحن فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت، ثم قال: ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٤] وهو وعيد: إذا دخلتم قبوركم، ثم قال: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يؤمنون بالوعيد، ثم استأنف، فقال: ﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ ﴾ [آية: ٥] لا شك فيه ﴿ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ﴾ [آية: ٦] لعلمتم أنكم سترون الجحيم في الآخرة ﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ ﴾ [آية: ٧] لا شك فيه، يقول: لترون الجحيم في الآخرة معاينة، والجحيم ما عظم من النار، يقينها رؤية العين، سنعذبهم مرتين، مرة عند الموت، ومرة عند القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم.﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ ﴾ في الآخرة ﴿ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٨] يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، وأيضاً، فذلك قوله:﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾[الأحقاف: ٢٠]، وقال: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ ﴾، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النار صرخوا: يا مالك، أضجت لحومنا، وأحرقت جلودنا، وجاعت وأعطشت أفواهنا، وأهلكت أبداننا، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار، فيرد عليهم مالك يقول: لا، قالوا: ساعة من النهار، قال: لا، قالوا: فردنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل، قال: فينادى مالك، خازن النار، بصوت غليظ جهير، قال: فإذا نادى حسرت النار من فوقه، وسكن أهلها، فيقول: أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم، ثم يناديهم، يا أهل النار، فيقولون: لبيك، فيقول: يا أهل البلاء، فيقولون: لبيك، فيقول:﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾[الأحقاف: ٢٠]، يا أهل الفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا، كيف تجدون مس سقر؟ قالوا: يأتينا العذاب من كل مكان، فهل إلى أن نموت ونستريح، قال: فيقول: وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذاباً، قال: فذلك قوله: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ ﴾، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه الله عز جل، فلم يهتد ولم يشكر، يعني الكافر.


الصفحة التالية
Icon