﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾؛ قال ابنُ عبَّاس: (قَدْ يَكُونُ ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ﴾ عَامّاً؛ وَقَدْ يَكُونُ خَاصّاً لأَهْلِ مَكَّةَ؛ وَهُوَ هَا هُنَا عَامٌّ لِجَمِيْعِ النَّاسِ، وَمَعْنَاهُ: أجِيْبُواْ رَبَّكُمْ وأَطِيْعُوهُ). وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ يعني آدمَ، وإنَّمَا أتتِ النفسُ لاعتبار اللفظِ دونَ المعنى. قال الشاعرُ: أبُوكَ خَلِيْفَةٌ وَلَدَتْهُ أُخْرَى   وَأَنْتَ خَلِيْفَةٌ ذاكَ الْكَمَالُفقالَ: وَلَدَتْهُ أُخْرَى؛ لأن لفظَ الخليفة مؤنَّث. وإنَّما مَنَّ الله علينا بأنْ خلقَنا من نفسٍ واحدة؛ لأن ذلك أقربُ إلى أن يَعْطِفَ بعضٌ على بعضٍ، ويَرْحَمَ بَعضُنا بعضاً لرجوعنا في القرابةِ إلى أصلٍ واحد. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ أي وخَلَقَ من نفسِ آدمَ زوجَها حَوَّاءَ؛ خلَقَها من ضِلْعٍ من أضلاعه اليُسرى وهي القُصْرَى بعدَ ما ألْقِيَ عليه النومُ فلم يُؤْذِهِ، ولو آذاهُ لَمَا عَطَفَ عليها أبداً. قال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أعْوَجٍ، فَإنْ أرَدْتَ أنْ تُقِيْمَهَا كَسَرْتَهَا، وَإنْ تَرَكْتَهَا وَفِيْهَا عِوَجٌ اسْتَمْتَعْتَ بهَا عَلَى عِوَجٍ "قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً ﴾؛ أي بَشَراً وفِرَقاً، وأظهرَ من آدمَ وحوَّاء خَلْقاً كثيراً من الرِّجال والنسَاء. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ ﴾؛ أي اتَّقُوا معاصيَ اللهِ.
﴿ #١٦٤٩; لَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ ﴾ أي يتساءَلُ بعضُكم بعضاً من الجوارحِ والحقُوق؛ يقولُ الرجل للرجُلِ: أسألُكَ باللهِ افْعَلْ لِي كذا. قرأ أهلُ الكوفة: (تَسَاءَلُونَ) مخفَّفاً، وقرأ الباقون بالتشديدِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَٱلأَرْحَامَ ﴾ قرأ عامَّة القُرَّاء بنصب (الأَرْحَامَ) على معنى: واتَّقُوا الأرحامَ أن تقطعُوها. وقرأ النخعيُّ وقتادةُ والأعمش وحمزة بالخفضِ على معنى: وبالأرحامِ على معنى: تساءَلُونَ باللهِ وبالأرحامِ؛ فيقول الرجلُ: أسألُكَ باللهِ وبالرَّحِمِ. والقراءةُ الأُولى أفصحُ؛ لأن العربَ لا تعطفُ بظاهرٍ على مُضْمَرٍ مخفوض إلاَّ بإعادةِ الخافض، لا يقولونَ: مررتُ به وزيدٍ، ويقولونَ: بهِ وبزيدٍ، وقد جاءَ ذلك في الشِّعر، قال الشاعرُ: قَدْ كُنْتَ مِنْ قَبْلُ تَهْجُونَا وتَشْتِمُنَا   فَاذْهَبْ فَمَا بكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾؛ أي حَفِيظاً لأعمالكم، وَالرَّقِيْبُ هو الحافظُ، وقال بعضُهم: عَلِيْمَاً؛ والعَلِيْمُ والحافظُ متهاديان؛ لأن العليمَ بالشيء حافظٌ له.


الصفحة التالية
Icon