قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾؛ أوَّلُ السورةِ قَسَمٌ، وجوابهُ: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾؛ وَقِيْلَ: جوابهُ: ﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ لأنه ليس من عادةِ العرب أن يُقسِمُوا بنفسِ الشيء الذي يُخبرُونَ عنه، فعلَى هذا يكون قولهُ: ﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾ مُعتَرِضاً بين القسَمِ والجواب.
﴿ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾، والليلةُ المباركَةُ: هي ليلةُ القَدْرِ.
﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾، أنزلَ اللهُ فيها القرآنَ إلى السَّفَرَةِ في السَّماءِ الدُّنيا، فوضعوهُ في بيت العِزَّةِ، ثُم كان جبريلُ يَنْزِلُ به على النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئاً بعدَ شيءٍ على مقدار الحاجة، هكذا رُوي عن ابنِ عبَّاس، وقد قدمنا ذلكَ في قولهِ تعالى﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ ﴾[البقرة: ١٨٥].
وسُمِّيت هذه الليلةُ مباركةً لأنَّ فيها الرحمةُ ومغفرةُ الذنوب، وفيها يقدِّرُ اللهُ الأشياءَ من أرزاقِ العباد وآجالِهم وغيرِ ذلك من الأمُور. ويقالُ: إنما سُمِّيت مباركةً لأنه لا يُقدِّرُ فيها شيئاً من الْمَكَارهِ، كما قالَ تعالى:﴿ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ ﴾[القدر: ٥].
وعن عكرمةَ أنه كان يقولُ: (اللَّيْلَةُُ الْمُبَارَكَةُ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فِيهَا يُقْضَى كُلُّ أمْرٍ فِيْهِ حِكْمَةٌ، وَفِيهَا يُنْسَخُ لِجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ وَمَلَكُ الْمَوْتِ جَمِيعَ مَا هُمْ مُوَكَّلُونَ بهِ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ). وكان ابنُ عبَّاس يقولُ: (إنَّكَ لَتَلْقَى الرَّجُلَ فِي السُّوقِ قَدْ كُتِبَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى). والصحيحُ: أنَّ الليلةَ المباركةَ هي ليلةُ القَدْر، وعليه أكثرُ المفسِّرين.