قوله: ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ أي حضروا عندك عبد الله بن أبي وأصحابه، وجواب الشرط قوله: ﴿ قَالُواْ ﴾ وهو الأظهر، وقيل: جوابه محذوف، أي فلا تقبل منهم، وقيل: الجواب قوله: ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ وهو بعيد، وسبب نزول هذه السورة،" أنه صلى الله عليه وسلم لما غزا بني المصطلق، وازدحم الناس على الماء، اقتتل رجلان، أحدهما من المهاجرين جهجاه بن أسيد، وكان أجيراً لعمر، يقود له فرسه، والثاني من الأنصار اسمه سنان الجهني، كان حليفاً لعبد الله بن أبي اقتتلا، صاح جهجاه بالمهاجرين، وسنان بالأنصار، فأعان جهجاهاً رجل من فقراء المهاجرين ولطم سناناً، فقال عبد الله بن أبي: ما صحبنا محمداً إلا لتلطم وجوهنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه: ما فعلتم بأنفسكم، قد أنزلتموهم بلادكم، وقاسمتموهم في أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم فضل الطعام لتحولوا من عندكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فسمع ذلك زيد بن أرقم فبلغه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت صاحب الكلام الذي بلغني عنك؟ فحلف أنه ما قال شيئاً وأنكر، فهو قوله: ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ﴾ الخ، فنزلت السورة ". قوله: ﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ ﴾ يحتمل أن الشهادة على بابها نفياً للنفاق عن أنفسهم، ويحتمل أن ﴿ نَشْهَدُ ﴾ بمعنى نحلف. قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ جملة معترضة بين قولهم ﴿ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ ﴾ وبين قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ ﴾ الخ، وحكمة الاعتراض، أنه لو اتصل التكذيب بقولهم: لربما توهم أن قولهم في حد ذاته كذب، فأتى بالاعتراض لدفع الابهام. قوله: (فيما أضمروه) أي من أنك غير رسول، وسماه كذباً باعتبار هذا الذي أضمروه، هذا ما أفاده المفسر، وقيل: كذبهم هو قولهم ﴿ نَشْهَدُ ﴾ لأن صدقها كونها من صميم القلب، وقولهم خلاف ما في القلب. قوله: ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ﴾ بفتح الهمزة في قراءة العامة جمع يمين، وقرئ شذوذاً بكسرها بمعنى دعواهم إلى الايمان والتصديق بما جاء به محمد. قوله: ﴿ جُنَّةً ﴾ بضم الجيم أي وقاية. قوله: ﴿ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ سَآءَ ﴾ كبئس في إفادة الذم، وفيها معنى التعجيب. قوله: ﴿ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ﴾ (باللسان) الخ، جواب عما يقال: إن المنافقين لم يحصل منهم إيمان أصلاً، بل هم ثابتون على الكفر، وايضاحه أن ثم للترتيب الاخباري، معناه أنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. قوله: (لجمالها) قال ابن عباس: كان ابن أبي جسيماً صحيحاً فصيحاً طلق اللسان، وكان قوم من المنافقين مثله، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويستندون فيه إلى الجدر، وكان النبي ومن حضر يعجبون بهياكلهم. قوله: ﴿ وَإِن يَقُولُواْ ﴾ أي يتكلموا في مجلسك. قوله: ﴿ تَسْمَعْ ﴾ أي تسمع بمعنى تصرخ. قوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ الجملة حالية من الضمير في قولهم أو مستأنفة. قوله: (في ترك التفهم) هذا بيان لوجه الشبه، والمعنى أنهم يشبهون الاخشاب المسندة إلى الحائط، في كونهم أشباحاً خالية عن العلم والنظر. قوله: (بسكون الشين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ أي إنهم من سوء ظنهم ورغب قلوبهم، يظنون كل نداء في العسكر، من إنشاد ضالة، أو مناداة صاعقة عليهم، وأنهم يرادون بذلك، فمقتضى كلام المفسر أن ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ مفعول ثان ليحسبون، قوله: ﴿ هُمُ ٱلْعَدُوُّ ﴾ جملة متسأنفة. قوله: (لما في قلوبهم من الرعب) متعلق بيحسبون. قوله: (أن ينزل فيهم) متعلق بالرعب. والمعنى لما في قلوبهم من الرعب من أن ينزل فيهم قرآن، يكون سبباً لإباحة دمائهم. قوله: ﴿ فَٱحْذَرْهُمْ ﴾ مرتب على قوله: ﴿ هُمُ ٱلْعَدُوُّ ﴾.
قوله: ﴿ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ إخبار بهلاكهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك. قوله: (أهلكهم) وقيل: معناه لعنهم وأبعدهم عن رحمته. قوله: (بعد قيام البرهان) أي على حقيقة الإيمان.