قوله: (المراد وأمته) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت على حد﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ ﴾[النحل: ٨١] وإنما اقتصر على خطاب النبي، لأنه الرئيس الكامل، وفي بعض النسخ المراد أمته، أي إن لفظ النبي أطلق وأريد به أمته مجازاً. قوله: (بقرينة ما بعده) أي وهو الجمع في قوله: ﴿ طَلَّقْتُمُ ﴾ وفي قوله: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾.
قوله: (أو قل لهم) هذا احتمال ثان في توجه الخطاب، ومحصله أن المخاطب حقيقة هو النبي وحده، ولكن حذف منه الأمر كأنه قال: يا أيها النبي قل لأمتك الخ، وفي الحقيقة، يؤخذ من المفسر ثلاث احتمالات على اختلاف النسخ، وبقي احتمال رابع، وأن الخطاب هو للنبي صلى الله عليه وسلم أولاً وآخراً بلفظ الجمع تعظيماً وتفخيماً، وسبب نزولها:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي الله عنها، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى عليه ﴿ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة، وهي من أزواجك في الجنة ". وورد:" تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش ". وورد:" لا تطلقوا النساء إلا من ريبة، فإن الله عز وجل لا يحب الذواقين والذواقات ". وورد:" ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق ". قوله: (أرتدم الطلاق) دفع بذلك ما يقال: إن قوله: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ ﴾ تحصيل للحاصل، والمراد بالنساء المدخول بهن ذوات الأقراء، أما غير المدخول بهن، فلا عدة عليهن بالكلية، وأما ذوات الأشهر والحوامل فسيأتين. قوله: ﴿ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ اللام للتوقيت كهي في قوله:﴿ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ ﴾[الإسراء: ٧٨] والمعنى طلقوهن في وقت يصلح فيه ابتداء عدتهن، وهو ما أشار له قوله: (بأن يكون) الخ. قوله: (في طهر) أي وأما في الحيض فهو حرام، بدليل أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده وهو واقع، لأن النهي إذا كان لأمر خارج لا يستلزم الفساد، وهنا كذلك، لأن علة النهي تطويل العدة عليها. قوله: (لم تمس فيه) أي لم توطأ، وهذا القيد لمنع الريبة، فإنه ربما يحصل من ذلك الوطء حمل، فتنتقل من الحيض لوضع الحمل، وربما حاضت الحامل فحصل اللبس، وحكم الطلاق في الطهر الذي مس فيه الكراهة عند مالك، والحرمة عند الشافعي، ولكن تحتسب به من العدة، ولا يجبر على الرجعة فيه. قوله: (رواه الشيخان) فقد روي عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ ". قوله: (احفظوها) أي احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق، والخطاب للأزواج، ويدخل الزوجات فيه أيضاً، لأن الزوج يحصي العدة ليراجع وينفق ويتزوج بأخت المطلقة ونحو ذلك، وهي لتحل للأزواج ونحو ذلك. قوله: (لتراجعوا) أي وتنفقوا وتسكنوا. قوله: ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾ الخ، المراد المساكن التي وقع الفراق فيها، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت اليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى، وجمع بين النهيين إشارة إلى أن الزوج لو أذن لها في الخروج لا يجوز لها الخروج، لأن العدة حق لله تعالى، فلا يسقط بتراضيهما. قوله: ﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ ﴾ الخ، الجملة حالية من فاعل ﴿ وَلاَ يَخْرُجْنَ ﴾ ومفعول ﴿ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ ﴾ والمعنى: لا يخرجن ولا تخرجوهن في حال من الحالات، إلا في حال كونهن آتيات بفاحشة مبينة. قوله: (زنا) وقيل: الفاحشة أن تبذو على أهل زوجها، فيحل اخراجها لسوء خلقها. قوله: (بفتح الياء وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي بينت أو هي بينة) لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ وَتِلْكَ ﴾ (المذكورات) أي من قوله: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ الخ. قوله: ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَ ﴾ أي عرضها للعقاب، وقيل: المراد بظلم نفسه، الضرر الدنيوي الذي يلحقه بسبب تعديه، ولا يمكنه تداركه بدليل قوله: ﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ ﴾ الخ، وارادة العموم أولى. قوله: ﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ ﴾ الخ، استئناف مسوق لتعليل ما تضمنته الجملة الشرطية، والمراد بالأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه عما فعله، بأن يرغب في الرجعة ويندم على الطلاق، والمقصود منه التحريض على طلاق واحدة أو الثنتين، وعدم ضرر الزوجة بالفراق، ليكون في فسحة إذا غير الله الأحوال. قوله: (مراجعة) أي بأن يقلب قلبه من بغضها إلى حبها، من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن حبه الطلاق إلى الندم عليه، وبالجملة الذي ينبغي للعاقل إذا أراد الفراق أن يكون بالمعروف، لأنه لا يدري ما يخلقه الله في قلبه بعد ذلك، فإذا كان فراقه بالمعروف وحول الله الحال، سهل له بعد ذلك الرجوع.