قوله: ﴿ وَٱلنَّازِعَاتِ ﴾ الخ، اعلم أن الله تعالى أقسم بخمسة أقسام موصوفها محذوف، فاختلف المفسرون في تقدير الموصوف في الأربعة الأول، فبعضهم قدره الملائكة، وبعضهم قدره النجوم، وأما الخامس فالمراد بهم الملائكة بالإجماع، والتأنيث في الأوصاف ظاهر إن كان المراد النجوم، وإن كان الملائكة فالتأنيث باعتبار الطائفة كأنه قال: والطائفة النازعات، ومشى المفسر على أن المراد بها الملائكة وهو ظاهر. قوله: (الملائكة تنزع أرواح الكفار) الخ، قال ابن مسعود: إن ملك الموت واعوانه ينزعون روح الكافر، كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، قوله: ﴿ غَرْقاً ﴾ إما مصدر على حذف الزوائد بمعنى اغراقاً، فهو ملاق لعامله في المعنى كقمت وقوفاً أو حال أي ذوات اغراق، يقال: اغرق في الشيء إذا بلغ أقصى غايته. قوله: (نزعاً بشدة) أي لما ورد:" أن كل نزعة اعظم من سبعين ألف ضربة بالسيف، "ويرى أن السماوات السبع انطقبت على الأرض وهو بينهما. قوله: (تنشط أرواح المؤمنين) بفتح أوله وكسر ثانيه من باب ضرب، يقال: نشط في عمله خف وأسرع فيه، وأنشطت البعير من عقاله أطلقته، و ﴿ نَشْطاً ﴾ وما بعده مصادر مؤكدة لعواملها، والسبب في شدة نزع ارواح الكفار، وسهولة نزع ارواح المؤمنين، أن كلاًّ يرى قبل الموت مقعده الذي أعد له، فالمؤمن يزداد فرحاً وشوقاً، فلا يشاهد ألماً ولا يحس به، والكافر تأبى روحه الخروج، لمزيد الحزن والكرب الذي تجده عنده رؤية مقعدها في النار، فتنزع كرهاً بشدة فيجدها الكافر. قوله: ﴿ وَٱلسَّابِحَاتِ ﴾ أي الملائكة النازلين برفق ولطافة، كالسابح في الماء، وكالفرس الجواد إذ أسرع في جريه لقبض الأرواح، فملائكة الرحمة تذهب للمؤمن، وملائكة العذاب تذهب للكافر، فقول المفسر (بأمره تعالى) محمول على أمر خاص، وهو قبض الأرواح كما علمت، لترتب قوله: ﴿ فَٱلسَّابِقَاتِ ﴾ عليه، وأما التدبير العام فيأتي في قوله: ﴿ فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾.
قوله: (تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة) أي وبأرواح الكفار إلى النار، في الكلام اكتفاء، وحينئذ فتلك الأوصاف الأربعة للملائكة التي تقبض الأرواح. قوله: (الملائكة تدبر أمر الدنيا) أي وهم جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل، فجبريل موكل بالرياح والجنود، وميكائيل موكل بالقطر والنبات، وعزرائيل موكل بقبض الأرواح، واسرافيل موكل بالصور، قوله: (أي تنزل بتدبيره) أشار بذلك إلى أن اسناد التدبير إلى الملائكة مجاز؛ والمدبر حقيقة الله تعالى، فهم أسباب عادية مظهر للتدبير، قوله: (لتبعثن يا كفار مكة) خصهم وإن كان البعث عاماً للمسلم والكافر، لأن القسم إنما يكون للمنكر، والمسلم مصدق بمجرد الإخبار، فلا يحتاج للإقسام. قوله: (بها يرجف كل شيء) أي فهذا وجه تسميتها راجفة. قوله: ﴿ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ ﴾ سميت بذلك لأنها تردفها وتأتي بعدها، ولا شيء بينهما. قوله: (فاليوم واسع) الخ، جواب عما يقال: إن وقت الراجفة موت لا بعث، فكيف يجعل ظرفاً لتبعثن المقدر؟ وإيضاح جوابه: البعث يحصل في الوقت الذي يجمع النفختين إذ هو متسع، فكأنه قال: تبعثن وقت حصول النفخة الأولى المتبوعة بالنفخة الثانية. قوله: (للبعث) أي المقدر جواباً للقسم.


الصفحة التالية
Icon