قوله: ﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾ الأمر وإن كان للنبي، إلا أن المراد منه العموم، لأن الأصل عدم الخصوصية إلا لدليل، قوله: (أي نزه ربك) أي اعتقد أنه منزه عن كل ما لا يليق به، في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه، فتنزيه الذات اعتقاد أنها ليست كالذوات، فلا توصف بالجوهرية ولا بالعرضية، ولا بالكبر ولا بالصغر؛ ولا بغير ذلك من أوصاف الحدوث، وتنزيه الصفات اعتقاد أنها ليست حادثة ولا متناهية ولا ناقصة، وتنزيه الأفعال اعتقاد أنه تعالى ليست أفعاله كأفعاله المخلوقين، وتنزيه الأسماء عدم ذكره بالأسماء التي توهم نقصاً بوجه من الوجوه، وتنزيه الأحكام عدم الأغراض فيها، فتكليفنا لأنفسنا لا لنفع يعود عليه. (ولفظ اسم زائد) ليس بمتعين، بل كما تنزه الذات ينزه الاسم أيضاً، عن أن يسمى به غيره، ومن جملة تنزيه الاسم، أن لا يذكر في موضع الأقذار، بأن يذكر على وجه التعظيم والتفخيم، في المواضع الطاهرة الفاخرة، ومن جملة تنزيه الاسم، استحضارك عظمة المسمى عند ذكره. قوله: ﴿ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ من العلو وهو الارتفاع، بمعنى القهر والغلبة والسلطنة، فهو علو مكانة لا مكان. قوله: (صفة لربك) أي فهو مجرور بكسرة مقدرة على الألف، وهذه الصفة جارية مجرى التعليل، كأنه قال: سبح اسم ربك لكونه مرتفع المكانة، منزهاً عن النقائض أزلاً أبداً، ولا يصح أن يكون صفة لاسم منصوب بالفتحة المقدرة مع جعل ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ الخ، صفة لربك، لما يلزم عليه من الفصل بين الصفة والموصوف بصفة غيره، نظير قولك جاءني غلام هند العاقل الحسنة: وهو ممتنع، فإن جعل الموصول نعتاً مقطوعاً جاز. قوله: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴾ جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل: الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد معرفة المولى، فما الدليل على وجوده؟ فأجاب بما ذكر، ومفعول ﴿ خَلَقَ ﴾ محذوف، أي كل شيء. قوله: (متناسب الأجزاء) الخ، أي فجعله معتدل القامة تام المنافع. قوله: ﴿ وَٱلَّذِي قَدَّرَ ﴾ مفعوله محذوف قدره بقوله: (ما شاء) أي من أنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها، وغير ذلك من أحوالها، قوله: ﴿ فَهَدَىٰ ﴾ أي أرشد ما قدره لمصالحه، فهدى الإنسان ودله على سبيل الخير والشر، وهدى الأنعام لمراعيها، وجميع الدواب لمعاشها ومصالحها. قوله: ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ ﴾ أي ما يرعى كالحشيش ونحوه. قوله: ﴿ غُثَآءً ﴾ بضم الغين والمد من باب قعد، وهذا مثل ضربه الله للكفار، بذهاب الدنيا بعد نضارتها. قوله: ﴿ أَحْوَىٰ ﴾ نعت لثغاء، وهو ما يشر له المفسر، وقوله: (أسود بالياً) أي بعد وصفه بالغثاء، يكون أسود بالياً، كما هو العادة في الزرع الجاف إذا تقادم، ويطلق الأحوى على الأسود الذي يضرب الخضرة أو الأخضر الذي ضرب إلى السواد، وعليه فيكون حالاً من المرعى، والأصل: أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء، والفاء لمجرد الترتيب، والمعنى: فمضت مدة فجعله الخ، إذ لا يصير غثاء عقب إخراجه، بل بعده بمدة.