قوله: (نزلت لما قال رهط من المشركين) إلخ، حاصله كما قال ابن عباس: أن سبب نزولها، أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد هلم فلعتبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا، كنا قد أشركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان بأيدينا خيراً مما بيدك، كنت قد أشركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل الله عز وجل ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ ﴾ إلى آخرها، والرهط بسكون الهاء أفصح من فتحها، جمع لا واحد له من لفظه، يقال على ما دون العشرة من الرجال، وقيل: ما فوق العشرة إلى الأربعين. قوله: ﴿ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ هم جماعة من الكفار مخصوصون، علم الله تعالى عدم إيمانهم أصلاً. قوله: ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ اعلم أنه اختلف المفسرون في هذه السورة، هل فيها تكرار أو لا؟ فعلى الأول: هو للتأكيد، وفائدة قطع أطماع الكفار، وتحقيق إخبار بأنهم لا يسلمون أبداً. وعلى الثاني: فكل جملة مقيدة بزمن غير الزمن الذي قيدت به الأخرى. فدرج المفسر على أن النفي الأول محمول على الحال، والثاني على الاستقبال، ودرج غيره على العكس، وما يصح أن يكون موصولة بمعنى الذي، فإن كان المراد بها الأصنام كما في الأولى والثالثة فالأمر واضح، لأنهم غير عقلاء وما لغير العاقل، وأما الثانية والرابعة فإما أن تكون واقعة على الله تعالى، وتكون دليلاً لمن يجوز وقوعها على العالم، أو تجعل مصدرية والتقدير: ولا أنتم عابدون عبادتي، أي مثل عبادتي، ويصح أن يكون جميعها مصدرية أو موصولة، أو الأوليان موصولتان، والأخريان مصدريتان، فتحصل أن ما في هذه السورة فيها أربعة أقوال، الأول، أنها كلها بمعنى الذي. الثاني: أنها كلها مصدرية. الثالث: أن الأوليين بمعنى الذي، والآخريين مصدريتان. الرابع: أن الأول والثالثة بمعنى الذي، والثالثة والرابعة مصدرية. إن قلت: ما الحكمة في التعبير في جانبه صلى الله عليه وسلم بلفظ ﴿ أَعْبُدُ ﴾ وفي جانبهم بلفظ ﴿ عَبَدتُّمْ ﴾؟ أجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم وإن كان يعبد الله تعالى قبل البعثة، إلا أنه لم يدع الناس إلا بعدها، فلم يشتهر بها إلا حين الدعوة، وأما هم فكانوا متلبسين قديماً بعبادة الأصنام متظاهرين بها. قوله:(علم الله منهم أنهم لا يؤمنون) جواب عن سؤال مقدر حاصله: كيف يقنطهم من الإيمان، مع أنه مبعوث لهدايتهم، وقد كان حريصاً على إيمانهم. وحاصل الجواب: أن هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً، فأخبر نبيه بذلك لتظهر شقاوتهم. قوله: (وإطلاق ما على الله) أي في الثالثة والرابعة، وأما في الأولى والثالثة فهي واقعة على الأصنام. قوله: (على وجه المقابلة) أي المشاكلة، وهذا مبني على القول بأنه لا يجوز وقوع ما على العالم، وأما على مذهب من يجوز ذلك، فلا يحتاج للاعتذار بالمقابلة، وكان المناسب للمفسر أن يقول: وإطلاق ما على العالم فصيح وحسنه المشاكلة. قوله: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ الخ، أتى بهاتين الجملتين المثبتتين بعد جمل منفية، لأنه لما كان الأهم تباعده عليه السلام دين دينهم، بدأ بالنفي سابقاً، فلما تحقق النفي رجع إلى خطابهم مهادنة لهم، فهاتان الجملتان مؤكدتان لمجموع الجمل الأربع. قوله: ﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ بفتح الياء من ﴿ لِيَ ﴾ وإسكانها سبعيتان. قوله: (وهذا قبل أن يؤمر بالحرب) الإشارة راجعة إلى الآية الأخيرة، وقيل: إلى جميع السورة، وهذا مبني على أن المراد بالدين العبادة والتدين، وقيل: أن المراد بالدين الجزاء، أي لكم جزاء أعمالكم، ولي جزاء أعمالي، وعليه فلا نسخ، قوله: (وقفاً ووصلاً) أي لأنها من ياءات الزوائد، فيراعى فيه رسم المصحف، وهي غير ثابتة فيه اكتفاء بالكسر. قوله:(وأثبتها يعقوب) أي وهو من العشرة.


الصفحة التالية
Icon