قوله: (فالله خبر هو) إلخ، هذا مبني على أن الضمير ﴿ هُوَ ﴾ عائد على المسؤول عنه في كلام الكفار، وقيل: إنه ضمير الشأن يفسره الجملة بعده فـ ﴿ ٱللَّهُ ﴾ مبتدأ و ﴿ أَحَدٌ ﴾ خبره، والجملة خبر ﴿ هُوَ ﴾ وهمزة ﴿ أَحَدٌ ﴾ بدل من واو، لأنه من الوحدة، أو ليست مبدلة من شيء قولان، وإثبات لفظ ﴿ قُلْ ﴾ مع تنوين ﴿ أَحَدٌ ﴾ هو قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بحذف ﴿ قُلْ ﴾ وقرئ أيضاً: قل هو الله أحد، وقرئ أيضاً بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، واعلم أن هذه الآية يأخذ منها عقائد التوحيد، وذلك لأن الله تعالى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ومن كان وجوده واجباً، لزم اتصافه بسائر الكمالات، كالقدرة والإدارة والعلم والحياة، وقوله: ﴿ أَحَدٌ ﴾ يدل على الصفات السلبية وهي: القدم والبقاء والغنى المطلق والتنزه عن الشبيه والنظير والمثيل في الذات والصفات والأفعال، وبذلك انتفت الكموم الخمسة وهي: لكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والمنفصل في الأفعال، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها، بقي شيء آخر وهو أن ﴿ أَحَدٌ ﴾ يستعمل في النفي، وأما واحد فيستعمل في الإثبات، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب: بأن ذلك أغلبيّ، وقد يستعمل كل في كل، والقرآن وارد بذلك في غيره آية، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله: (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز. قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ نتيجة ما قبله، ولذا ترك العاطف، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائض، فلا يقصد غيره، ولا يعول إلا عليه. قوله: (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى ﴿ ٱلصَّمَدُ ﴾ وهو المشهور، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل: هو الذي ليس فوقه أحد، وقيل: غير ذلك، وإنما عرف ﴿ ٱلصَّمَدُ ﴾ لعلمهم به ومعرفتهم إياه، بخلاف أحديته، وكرر لفظ ﴿ ٱللَّهُ ﴾ إشعاراً بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية. قوله: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ رد على مشركي العرب القائلين: الملائكة بنات الله، واليهود القائلين: عزير ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح بان الله، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات، منزه عن النقائص، مقصود في جميع الأمور، فلم يكن علة في غيره، ولا غيره علة فيه، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة، وترك العاطف في ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ لأنه مؤكد للصمدية، لأن الغني عن كل شيء، المحتاج إليه كل ما سواه، لا يكون والداً ولا مولوداً، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة. قوله: (لانتفاء مجانسته) أي لغيره، لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد، لأنه واجب وغيره ممكن، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده، أو لتخلفه بعده، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله: (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث، والله تعالى ليس كذلك. قوله: (ومماثلاً) عطف تفسير، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك، والشبيه هو المشارك في غالبها، والنظير هو الماشرك في أقلها، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله: (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأن المقصود. قوله: (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله، فكأن تقديمه أولى، وهذه السورة الشريفة، نفت أصول الكفر الثمانية: التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ والنقص والقلة بقوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ والعلة والمعلول بقوله ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ والشبيه والنظير بقوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾.