﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ الآية، هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور وعن ابن عباس وقتادة هي مكية إلا من قوله:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ ﴾[إبراهيم: ٢٨] إلى النار. وارتباط هذه السورة بالتي قبلها واضح جداً لأنه ذكر فيها ولو ان قرآناً ثم قال: وكذلك أنزلناه حكماً عربياً، ومن عنده علم الكتاب فناسب هذا قوله: ﴿ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾.
وأيضاً فإِنهم لما قالوا على سبيل الاقتراح لولا أنزل عليه آية من ربه وقيل له:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴾[الرعد: ٢٧] أنزل: ﴿ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ كأنه قيل: أو لم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات هي الضلال إلى النور وهو الهدى. كتاب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا كتاب أنزلناه جملة في موضع الصفة لتخرج متعلق بأنزلناه وهي لام العلة من الظلمات متعلق بتخرج إلى النور متعلق بتخرج أيضاً.﴿ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴾ بدل من قوله: إلى النور وأعيد معه حرف الجر وهو إلى كما تقول: مررت بزيد بأخيك وقرىء: الله بالجر على البدل أو عطف بيان وقرىء: بالرفع على أنه مبتدأ أو خبر مبتدأ أي هو الله. وويل مبتدأ خبره للكافرين ومن عذاب في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل بالخبر بين الصفة والموصوف ولا يجوز أن يكون متعلقاً بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به الخبر ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة قال: فإِن قلت ما وجه اتصال قوله: من عذاب شديد، بالويل قلت: لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ويقولون: يا ويلاه لقوله تعالى:﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾[الفرقان: ١٣].
" انتهى ". فظاهره يدل على تقدير عامل يتعلق به من عذاب شديد ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعاً بهم في الدنيا أو واقعاً بهم في الآخرة والاستحباب الإِيثار والاختيار وهو استفعال من المحبة لأن المؤثر للشىء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب ولما ضمن معنى الإِيثار عدي بعلى وجوزوا في إعراب الذين ان يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد وان يكون مقطوعاً على الذم أما خبره مبتدأ محذوف أي هم الذين واما منصوباً بإِضمار فعل تقديره أذم وان يكون صفة للكافرين ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء وهو لا يجوز لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله: من عذاب شديد سواء أكان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل أم متعلقاً بفعل محذوف أي يضجون ويولولون من عذاب شديد وتقدم الكلام على ويبغونها عوجاً، آل عمران. وعلى وصف الضلال بالبعد.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ الآية، سبب نزولها أن قريشاً قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي فنزلت والظاهر أن قوله: وما أرسلنا من رسول العموم فيندرج فيه الرسول عليه السلام فإن كانت الدعوة عامة للناس كلهم أو اندرج في اتباع ذلك الرسول من ليس من قومه كان من لم تكن لغته لغة ذلك الرسول موقوفاً على تعلم تلك اللغة حتى يفهمها أو يرجع في تفسيرها إلى من يعلمها. و ﴿ أَنْ أَخْرِجْ ﴾ يحتمل أن تكون ان مفسرة بمعنى أي وان تكون أن مفسرة بمعنى أي تكون مصدرية وفي قوله: قومك خصوص لرسالته إلى قومه بخلاف قوله: لتخرج الناس. والظاهر أن قومه هم بنو إسرائيل.﴿ وَذَكِّرْهُمْ ﴾ معطوف على قوله: اخرج قومك والإِشارة بقوله: ان في ذلك إلى التذكير بأيام الله وصبار وشكور صفتا مبالغة وهما مشعرتان بأن أيام الله المراد بها بلاؤه ونعماؤه أي صبار على بلائه شكور لنعمائه.﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾ الآية، لما تقدم أمره تعالى لموسى عليه السلام بالتذكير بأيام الله ذكرهم بما أنعم عليهم من نجاتهم من آل فرعون وفي ضمنها تعداد شىء مما جرى عليهم من نقمات الله وتقدم إعراب إذ في نحو هذا التركيب في قوله تعالى:﴿ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً ﴾[آل عمران: ١٠٣] وتقدم تفسير نظير هذه الآية إلى أن هنا ويذبحون بالواو وفي البقرة بغير واو وفي الأعراف يقتلون، فحيث لم يؤت بالواو جعل الفعل تفسيراً لقوله: يسومونكم، وحيث أتى بها دل المغايرة وان سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره، وحيث جاء يقتلون جاء باللفظ المطلق المحتمل للتذبيح ولغيره من أنواع القتل. وتقدم شرح تأذن وتلقيه بالقسم في قوله في الأعراف:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ﴾[الآية: ١٦٧]، واحتمل إذ أن يكون معطوفاً على إذ أنجاكم لأن هذا الاعلام بالمزيد على الشكر من نعمه تعالى والظاهر أن متعلق الشكر هو الانعام أي لئن شكرتم انعامي لأزيدنكم ولئن كفرتم أي نعمتي فلم تشكروها رتب العذاب الشديد على كفر نعمه تعالى ولم يبين محل الزيادة فاحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما وجاء التركيب على ما عهد في القرآن من أنه إذا ذكر الخير أسند إليه تعالى وإذا ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه فقال: لأزيدنكم، ونسب الزيادة إليه تعالى وقال: إن عذابي لشديد، ولم يأت التركيب لأعذبنكم وصرح في لأزيدنكم بالمفعول وهنا لم يذكر وان كان المعنى عليه أي ان عذابي لكم شديد وجواب ان تكفروا محذوف لدلالة المعنى عليه التقدير فإِنما ضرر كفركم لاحق بكم والله تعالى متصف بالغنى المطلق والحمد سواء كفروا أم شكروا وفي خطابه لهم تحقير لشأنهم وتعظيم لله تعالى وكذلك في ذكر هاتين الصفتين.﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ الآية، الظاهر أن هذا خطاب موسى عليه السلام لقومه وقيل ابتداء خطاب من الله لهذه الأمة وخبر قوم نوح وعاد وثمود قد قصه الله في كتابه وتقدم في الاعراف وهود الهمزة في ألم للتقرير والتوبيخ والظاهر أن والذين في موضع خفض عطفاً على ما قبله أما على قوم نوح وعاد وثمود. قال الزمخشري: والجملة من قوله: لا يعلمهم إلا الله اعتراض والمعنى أنهم في الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله. " انتهى ". وليست الجملة اعتراض لأن جملة الاعتراض تكون بين جزءين يطلب أحدهما الآخر. وقال أبو البقاء تكون هذه الجملة حالاً من الضمير في من بعدهم فإِن عني من الضمير المجرور في من بعدهم فلا يجوز لأنه حال مما جر بالإِضافة وليس له محل إعراب من رفع أو نصب وان عني من الضمير المستقر في الجار والمجرور النائب عن العامل أمكن. وقال أبو البقاء أيضاً: ويجوز أن يكون مستأنفاً وكذلك جاءتهم. وأجاز الزمخشري وتبعه أبو البقاء أن يكون والذين مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلا الله. وقال الزمخشري: والجملة من المبتدأ والخبر وقعت اعتراض. " انتهى ". وليست باعتراض لأنها لم تقع بين جزءين يطلب أحدهما الآخر والضمير في جاءتهم عائد على الذين من قبلكم والجملة تفسيرية للنبأ والظاهر أن الأيدي هي الجوارح وأن الضميرين في أيديهم وفي أفواههم عائدان على الذين جاءتهم الرسل. وقالوا: وإنا كفرنا بادروا أولاً إلى الكفر وإلى التكذيب المحض ثم أخبروا أنهم في شك وهو التردد كأنهم نظروا بعض نظر اقتضى ان انتقلوا من التكذيب المحض إلى التردد أو هما قولان من طائفتين طائفة بادرت بالتكذيب والكفر وطائفة شكت والشك في مثل ما جاءت به الرسل عليهم السلام كفر. ومريب صفة توكيدية ودخلت همزة الاستفهام الذي معناه الإِنكار على الظرف على الجار الذي هو خبر على المبتدأ لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه وقدر مضاف فقيل أفي إلاهيته أو في وحدانيته ثم نبههم على الوصف الذي يقتضي أن لا يقع فيه شك البتة وهو كونه منشىء العالم وموجده فقال:﴿ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ وفاطر صفة لله ولا يجوز الفصل بين الموصوف وصفته بمثل هذا المبتدأ فيجوز أن تكون في الدار زيد الحسنة وان كان أصل التركيب في الدار الحسنة زيد ولما ذكر تعالى أنه موجد العالم ونبه على الوصف الذي لا يناسب أن يكون معه في شك ذكره ما هو عليه من اللطف بهم والإِحسان إليهم فقال:﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ ﴾ أي يدعوكم إلى الإِيمان كما قال: إذ تدعون إلى الإِيمان أو يدعوكم لأجل المغفرة نحو دعوته لينصرني وتقدم الكلام في طرف من هذا في الاعراف في قوله:﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾[الأعراف: ٣٤]، وقيل هنا:﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى ﴾ قبل الموت ولا يعاجلكم بالعذاب ومعنى مسمى أي قد سماه وبين مقداره.﴿ إِنْ أَنتُمْ ﴾ أي ما أنتم.﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ لافضل بيننا وبينكم ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا والظاهر أن طلبهم السلطان المبين وقد أتتهم الرسل بالبينات إنما هو على سبيل التعنت والاقتراح وإلا فما أتوا به من الدلائل والآيات كان لمن استبصر ولكنهم قلدوا آباءهم فيما كانوا عليه من الضلال ألا ترى انهم لما ذكروا أنهم مماثلوهم قالوا:﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾ عما كان يعبد آباؤنا أي ليس مقصودكم إلا أن نكون لكم تبعاً ونترك ما نشأنا عليه من دين آبائنا.﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ ﴾ الآية، سلموا لهم في أنهم مماثلوهم في البشرية وحدها وأما ما سوى ذلك من الأوصاف التي اختصوا بها فلم يكونوا مثلهم ولم يذكروا ما هم عليه من الوصف الذي تميزوا به تواضعاً منهم ونسبة ذلك إلى الله تعالى لم يصرحوا بمنّ الله عليهم وحدهم ولكن أبرزوا ذلك في عموم من يشاء من عباده والمعنى عين بالنبوة على من يشاء تنبئته ومعنى بإِذن الله بتسويغه وإرادته أي الآية التي اقترحوها ليس لنا الاتيان بها ولا هي في استطاعتنا ولذلك كان التركيب وما كان لنا وإنما ذلك أمر متعلق بالمشيئة وفليتوكل أمر منهم للمؤمنين بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً وأمروها به كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجري علينا منكم الا ترى إلى قولهم وما لنا إلا نتوكل على الله ومعناه وأي عذر لنا في أن لا نتوكل على الله وقد هدانا فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب سلوكه في الدين والأمر الأول وهو قوله: فليتوكل المؤمنون لاستحداث التوكل. والثاني للثبات على ما استحدثوا من توكلهم.﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ ﴾ جواب قسم ويدل على ما سبق ما يجب في الصبر وهو الأذى وما مصدرية وجوزوا أن يكون بمعنى الذي والضمير محذوف أي ما آذيتموناه وكان أصله به فهل حذف به أو الباء فوصل الفعل إلى الضمير قولان.﴿ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ ﴾ أقسموا على أنه لا بد من إخراجهم أو عودهم في ملتهم كأنهم قالوا: ليكونن أحد هذين ولما أقسموا هم على إخراج الرسل أو العودة في ملتهم أقسم تعالى على إهلاكهم وأي إخراج أعظم من الإِهلاك بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبداً وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل والإِشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى:﴿ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[الأعراف: ١٢٨].
ومقام يحتمل المصدر أي قيامي عليه بالحفظ لأعماله ومراقبتي إياه كقوله تعالى:﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾[الرعد: ٣٣].
والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله تعالى:﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ﴾[الأنفال: ١٩].
ويجوز أن يكون من الفتاحة وهي الحكومة أي استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم واستنصار الرسل في القرآن كثير.﴿ وَخَابَ ﴾ معطوف على محذوف تقديره فنصروا وظفروا وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل وتقدم شرح جبار والعنيد المعاند كالخليط بمعنى المخالط.﴿ مِّن وَرَآئِهِ ﴾ ذكر ما يؤول إليه حال الجبار العنيد في الآخرة ووراء من الأضداد ينطلق على خلف وعلى أمام كأنه قيل من أمامه وبين يديه جهنم.﴿ وَيُسْقَىٰ ﴾ معطوف على محذوف تقديره يدخلها ويسقى والظاهر إرادة حقيقة الماء وصديد. قال مجاهد وغيره: وهو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال الزمخشري: صديق عطف بيان لما قال ويسقى من ماء فأبهمه ابهاماً ثم بينه بقوله صديد. " انتهى ". والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي فأعرب زيتونة عطف بيان لشجرة مباركة فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله: صديد عطف بيان وتجرع تفعل والظاهر أنها للتكلف نحو تحلم أي يأخذه شيئاً فشيئاً والظاهر هنا انتفاء مقاربة اساغته وإذا انتفت الإِساغة فيكون كقوله:﴿ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾[النور: ٤٠].
أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها والحديث جاء بأنه يشربه فإِن صح الحديث كان المعنى ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه كما جاء فذبحوها وما كادوا يفعلون أي وما كادوا يفعلون قبل الذبح.﴿ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ ﴾ أي أسبابه. والظاهر أن قوله: من كل مكان معناه من الجهات الست وذلك تفظيع لما يصيبه من الآلام.﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ لتطاول شدائد الموت وامتداد سكراته. و ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ ﴾ الخلاف في من ورائه هنا كالحلاف في من ورائه جهنم.﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ الآية، ارتفاع مثل على الابتداء وخبره محذوف تقديره عند سيبويه فيما يتلى عليكم أو يقص. قال ابن عطية: وقيل هو مبتدأ وأعمالهم ابتداء ثان وكرماد خبر الثاني والجملة خبر الأول وهذا عندي أرجح الأقوال وكأنك قلت المتحصل مثالاً في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة وهي أعمالهم في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها كالرماد الذي تذروه الرياح وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى له أثر ولا يجتمع منه شىء انتهى هذا القول الذي رجحه ابن عطية قاله الحوفي: وهو لا يجوز لأن الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل وليست نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وأعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال كأنه قيل كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد كما تقول صفة زيد عرضه مصون وماله مبذول ووصف اليوم بقوله: عاصف وان كان من صفة الريح على سبيل التجوز كما قالوا يوم ماطر وليل نائم.﴿ لاَّ يَقْدِرُونَ ﴾ يوم القيامة.﴿ مِمَّا كَسَبُواْ ﴾ من أعمالهم.﴿ عَلَىٰ شَيْءٍ ﴾ أي لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير بالرياح على شىء.﴿ ذٰلِكَ ﴾ إشارة إلى كونهم بهذه الحال وعلى مثل هذا الغرر والبعيد الذي يعمق فيه صاحبه وأبعد عن طريق النجاة أو البعيد عن الحق والثواب وفي البقرة لا يقدرون على شىء مما كسبوا على شىء من التفنن في الفصاحة والتغاير في التقديم والتأخير والمعنى واحد.﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحقِّ ﴾ الظاهر أن قوله: يذهبكم خطاب عام للناس وعن ابن عباس خطاب للكفار.﴿ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ الظاهر أن يكون المعنى ان يشأ يذهبكم أيها ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين.


الصفحة التالية
Icon