﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا ﴾ الآية، هذه السورة مدنية بلا خلاف ولما ذكر تعالى في مشركي قريش ولهم أعمال من دون ذلك أي أعمال سيئة هم لها عاملون واستطرد بعد ذلك إلى أحوالهم واتخاذهم الولد والشريك وإلى مآلهم في النار كان من أعمالهم السيئة أنه كان لهم جوار بغايا يستحسنون عليهن ويأكلون من كسبهن من الزنا فأنزل الله تعالى هذه السورة تغليظاً في أمر الزنا وكان فيما ذكر ناس من المسلمين هموا بنكاحهن.﴿ سُورَةٌ ﴾ مرفوع بالابتداء أو خبر مبتدأ محذوف تقديره فيما أنزلنا سورة أو هذه سورة وقرىء: سورة " انتهى " جعله بالنصب على الاشتغال أي أنزلنا سورة أنزلنا ما قال الزمخشري: أو على دونك سورة " انتهى " جعله منصوباً على الأعراء ولا يجوز حذف أداة الإِغراء * وكان الابتداء بقوله: سورة وإن كان نكرة لتقدير صفة محذوفة تسوغ الابتداء بالنكرة كأنه قيل سورة معظمة أنزلناها وقرىء:﴿ وَفَرَضْنَاهَا ﴾ بالتخفيف والتشديد.﴿ وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ ﴾ أي: أمثالاً ومواعظ وأحكاماً ليس فيها مشكل يحتاج إلى تأويل.﴿ ٱلزَّانِيَةُ ﴾ مبتدأ والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني وقوله: فاجلدوا بيان لذلك الحكم هذا مذهب سيبويه وقدمت الزانية على الزاني لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها ولكون زناها أفحش وأكثر عاراً وللعلوق بولد الزنا وحال النساء الحجبة والصيانة وأل في الزانية والزاني للعموم في جميع الزناة والجلد إصابة الجلد بالضرب كما تقول رأسه وبطنه وظهره أي ضرب رأسه وبطنه وظهره والمأمور بالجلد أئمة المسلمين دنوا بهم.﴿ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ﴾ الظاهر إندراج الكافر والعبد والمحصن في هذا العموم وهو لا يندرج فيه لا الصبي ولا المجنون والظاهر الاقتصار على الجلد أحصنا أو لم يحصنا وهو مذهب الخوارج واتفق فقهاء الأمصار على أن المحصن يرجم ولا يجلد وجلد علي رضي الله عنه شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله.﴿ تَأْخُذْكُمْ ﴾ بالتاء والياء رأفة بسكون الهمزة وفتحها.﴿ رَأْفَةٌ ﴾ أي لين وهوادة في استيفاء حدود الله وقرىء:﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ﴾ تثبيت وحض وتهييج للغضب لله ولدينه وأمره تعالى بحضور جلدهما طائفة إغلاظاً على الزناة وتوبيخاً لهم بحضرة الناس وسمي الجلد عذاباً إذ فيه إيلام وافتضاح وهو عقوبة على ذلك الفعل والطائفة المأمور بشهودها ذلك أقل ما يتصور فيه ذلك ثلاثة وهي صفة غالبة لأنها الجماعة.﴿ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً ﴾ الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره ومعنى لا ينكح لا يطأ وزاد المشركة في التقسيم فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة والنكاح بمعنى الجماع.﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ﴾ القذف الرمي بالزنا وغيره واستعير الرمي للشتم لأنه إذاية بالقول كما قال وجرح اللسان كجرح اليد. و ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ الظاهر أن المراد النساء العفائف وخص النساء بذلك وإن كان الرجال يشاركوهن في الحكم لأن القذف فيهن أشنع وأنكى للنفوس ومن حيث هنّ هوى للرجال ففيه إيذاء لهن ولأزواجهن وقراباتهن وقيل المعنى الفروج المحصنات كما قال:﴿ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾[الأنبياء: ٩١] ويكون اللفظ شاملاً للنساء والرجال * ولما كانت معصية الزنا كبيرة من أمهات الكبائر وكان متعاطيها كثيراً ما يتستر بها وقلما يطلع عليها أحد شدّد الله على القاذف حيث شرط فيها أربعة شهداء رحمة للعباد وستراً والمعنى ثم لم يأتوا الحكام والجمهور على إضافة أربعة إلى شهداء وقرأ أبو زرعة وعبد الله بن مسلم بأربعة بالتنوين وهي قراءة فصيحة لأنه إذا اجتمع اسم العدد والصفة كان الاتباع أجود من الإِضافة قال ابن عطية وسيبويه: يرى أن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر " انتهى ". ليس كما ذكر إنما يرى ذلك سيبويه في العدد الذي بعده اسم نحو ثلاثة رجال وأما في الصفة فلا بل الصحيح التفضيل الذي ذكرنا وإذا نونت أربعة فشهداء بدل إذ هو وصف جرى مجرى الأسماء أو صفة لأنه صفة حقيقة ويضعف قول من قال انه حال أو تمييز.﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾ الأمر للإِمام ونوابه بالجلد والظاهر وجوب الجلد وان لم يطالب المقذوف وبه قال ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي لا يجلد إلا بمطالبته قال مالك: إلا أن يكون الإِمام سمعه يقذفه فيحده إذا كان مع الإِمام شهود عدول وان لم يطالب المقذوف والظاهر أن العبد القاذف الحر إذا لم يأت بأربعة شهداء جلد ثمانين لاندراجه في عموم والذين وبه قال عبد الله بن مسعود والأوزاعي وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري وعثمان البتي والشافعي يجلد أربعين.﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ الظاهر أن لا تقبل شهادته أبداً وإن أكذب نفسه وتاب وهو نهي جاء بعد أمر وكما أن حكمه الجلد كذلك حكم رد شهادته.﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾ الظاهر أنه كلام مستأنف غير راحل في خبر والذين يرمون كأنه اخبار بحال الرامين بعد انقضاء الموصول المتضمن معنى الشرط وما ترتب في خبره من الجلد وعدم قبول الشهادة أبداً.﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ الآية هذا الاستثناء تعقب جملاً ثلاثة جملة الأمر بالجلد وهو لو تاب وأكذب نفسه لم يسقط عنه حد القذف وجملة النهي عن قبول شهادتهم أبداً وقد وقع الخلاف في قبول شهادتهم إذا تابوا بناء على أن هذا الاستثناء راجع إلى جملة النهي وجملة الحكم بالفسق أو هو راجع إلى الجملة الأخيرة وهي الثالثة وهي الحكم بفسقهم والذي يقتضيه النظر أن الاستثناء إذا تعقب جملاً يصلح أن يتخصص كل واحد منها بالاستثناء أي يجعل تخصيصاً في الجملة الأخيرة وهذه المسئلة تكلم عليها في أصول الفقه وفيها خلاف وتفصيل ولم أر من تكلم عليها من النحاة غير المهابادي وابن مالك واختار ابن مالك أن يعود إلى الجمل كلها كالشرط واختار المهابادي أن يعود إلى الجملة الأخيرة وهو الذي نختاره وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح التسهيل * ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك من سحماء فنزلت:﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ والمعنى بالزنا.﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ ﴾ ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات والمعنى: شهداء على صدق قولهم وأزواجهم يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والاماء فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من الحمل وقرىء: أربع شهادات بالنصب على المصدر وارتفع فشهادة خبراً على إضمار مبتدأ أي صالحكم أو الواجب أو مبتدأ على إضمار الخبر متقدماً أي فعليه أن يشهد أو مؤخراً أي كافية أو واجبة وقرىء:﴿ وَٱلْخَامِسَةُ ﴾ بالرفع فيهما وهو مبتدأ وقرىء:﴿ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ ﴾ وأن لعنة مخففة من الثقيلة وينسبك من القراءتين مصدر وهو خبر عن قوله: والخامسة كينونة لعنة الله عليه وقرىء:﴿ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ ﴾ بالتشديد والتخفيف.﴿ وَيَدْرَؤُاْ ﴾ أي يدفع * والعذاب قال الجمهور: الحد، وقال أصحاب الرأي: لا حدّ عليها إن لم تلاعن ولا يوجبه عليها قول الزوج والظاهر الاكتفاء في اللعان بهذه الكيفية المذكورة في الآية.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾ جواب لو محذوف تقديره لهلكتم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ ﴾ الآية، سبب نزول هذه الآيات مذكور في حديث عائشة في الصحيح والإِفك الكذب والافتراء * والعصبة الجماعة وتقدم الكلام عليها في يوسف.﴿ مِّنْكُمْ ﴾ أي من أهل ملتكم في موضع الصفة. و ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ ﴾ مستأنف والضمير في لا تحسبوه الظاهر أنه عائد على الإِفك بل هو خير لكم لبراءة الساحة وثواب الصبر على ذلك الأذى وانكشاف كذب القاذفين.﴿ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ ﴾ أي جزاء ما اكتسب وذلك بقدر ما خاض فيه لأن بعضهم ضحك وبعضهم سكت وبعضهم تكلم واكتسب مستعمل في المآثم ونحوها لأنها تدل على اعتمال وقصد فهو أبلغ في التكذيب وكسب مستعمل في الخير لأن حصوله مغن عن الدلالة على اعتمال فيه وقد تستعمل كسب في الوجهين.﴿ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ ﴾ المشهور أنه عبد الله بن أبي ابن سلول * والعذاب العظيم هو عذاب يوم القيامة وقيل هو ما أصاب حسان من ذهاب بصره وشل يده، وقرىء: كبره بكسر الكاف وضمها والعذاب الأليم عماه وحدّه وضرب صفوان له بالسيف على رأسه وقال: توق ذباب السيوف عني فإِنني غلام إذا هو جيت لست بشاعر. ولكنني أحمي حماي وأتقى من الباهت الرامي البريء الظواهر وأنشد حسان أبياتاً يثني فيها على أم المؤمنين ويهر براءته مما نسب إليه وهي هذه: حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافلخليلة خير الناس ديناً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفواضلعقيلة جى من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدها غير زائلمهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل شين وباطلفإِن كان ما بلغت عني قلته فلا رفعت سوطي إلى أنامليوكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافلله رتب عال على الناس فضلها تقاصر عنها سورة المتطاول﴿ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ لولا حرف تحضيض بمعنى هلا وفيه تحريض على ظن الخبر وزجر وأدب والظاهر أن الخطاب للمؤمنين حاشا من تولى كبره قيل ويحتمل دخولهم في الخطاب وفيه عتاب أي كان الإِنكار واجباً عليهم وعدل بعد الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ولم يجيء التركيب ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريقة الإِلتفات وليصرح بلفظ الإِيمان دلالة على أن الإِشتراك فيه مقتض أن لا يصدق مؤمن على أخيه قول عائب ولا طاعن وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع مقالة في أخيه أن يبني الأمر فيه على ظن الخير وان يقول بناء على ظنه هذا إفك مبين هكذا باللفظ الصريح ببراءة أخيه.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية، أي في الدنيا بالنعم التي منها الإِمهال للتوبة.﴿ وَرَحْمَتُهُ ﴾ عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة.﴿ لَمَسَّكُمْ ﴾ العذاب فيما خضتم فيه من حديث الإِفك يقال: أخاض في الحديث واندفع وهضب وخاض.﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ العامل في إذ لمسكم تلقونه أي يأخذه بعضكم من بعض يقال تلقى القول وتلقنه والأصل وتلقنه تتلقونه ومعنى بأفواهكم أي تلوكونه وتديرونه فيها من غير علم لأن الشىء المعلوم يكون في القلب ثم يعبر عنه باللسان وهذا الإِفك ليس محله إلا الأفواه كما قال يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً ﴾ أي ذنباً صغيراً.﴿ وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾ من الكبائر وعلق من العذاب بثلاثة آثام تلقى الإِفك والتكلم به واستصغاره ثم أخذ يوبخهم على التكلم به وكان الواجب عليهم إذا سمعوه أن لا يفوهوا به.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ ﴾ قال مجاهد هذه الإِشارة إلى عبد الله ابن أبي ومن أشبهه.﴿ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ لعداوتهم لهم والعذاب الأليم في الدنيا الحد وفي الآخرة النار والظاهر في الذين يحبون العموم في كل قاذف منافقاً كان أو مؤمناً وتعليق الوعيد على محبة الشياع دليل على أن إرادة الفسق فسق والله يعلم أي البريء من المذنب وسرائر الأمور ووجه الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد.﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ كذبهم.﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ لأنه غيب وجواب لولا محذوف أي لعاقبكم.﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ ﴾ بالبرية.﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بقبول توبة من تاب من قذف قال ابن عباس: والخطاب لحسان ومسطح وحمنة والظاهر العموم.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ ﴾ الآية تقدم الكلام على خطوات الشيطان في فإِنه عائد على من الشرطية أي فإِن متبع خطوات الشيطان.﴿ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ﴾ وهو ما أفرط قبحه.﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾ وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصر رأساً في الضلال بحيث يكون أمراً تطيعه أصحابه.﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم ما زكى يزكى من يشاء ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح.﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لأقوالكم عليكم بضمائركم.﴿ وَلاَ يَأْتَلِ ﴾ هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف وقيل معناه يقصر بني افتعل من ألوت بمعنى قصرت ومنه لا يألونكم خبالاً وقال الشاعر: وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آلوسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة وقال ابن عباس والضحاك: قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإِفك وقالوا لا نصل من تكلم به فنزلت في جميعهم، والآية تتناول من هو بهذا الوصف.﴿ ٱلْغَافِلاَتِ ﴾ أي السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولا يفطنّ لما يفطن له المجربات.﴿ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾ جاء في قذف المحصنات قبل هذا الاستثناء بالتوبة وفي هذه الآية لم يجيء استثناء ويناسب أن تكون هذه الآية كما قيل نزلت في مشركي مكة كانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفوها وقالوا: خرجت لتفجر قاله أبو حمزة اليماني ويؤيده قوله:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ﴾ والناصب ليوم تشهد ما تعلق به الجار والمجرور وهو ولهم.﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ﴾ يوم بدل من يوم والتنوين في إذ للعوض من الجملة المحذوفة والتقدير يوم إذ تشهد عليهم والذين هنا هو الجزاء أي جزاء أعمالهم الخبيث من يكتم في قلبه إذاية الناس حتى يمكر بهم.﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ إشارة للطيبين والطيبات والضمير في يقولون عائد على ذوي الخبث.﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ ﴾ الآية، جاءت إمرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أحداً يراني عليها فلا يزال حتى يدخل علي رجل من أهلي فنزلت فقال أبو بكر بعد نزولها يا رسول الله أرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن فنزل ليس عليكم جناح الآية * ومناسبتها لما قبلها هو أن أهل الإِفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم من حيث اتفقت الخلوة فصارت كأنها طريقة للتهمة فأوجب الله أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام لأن في الدخول على غير هذا الوجه وقوع التهمة وفي ذلك من المضرة ما لا يخفي والظاهر أنه يجوز للإِنسان أن يدخل بيت نفسه بغير استئذان ولا سلام لقوله: غير بيوتكم، ويروى:" أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي قال: نعم، قال: ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا، قال: فاستأذن وعيا النهي عن الدخول بالاستئناس والسلام على أهل تلك البيوت "والظاهر أن الاستئناس خلاف الاستيحاش.