﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ هذه السورة مكية في قول الجمهور وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي والذين لا يدعون مع الله إلى قوله: وكان الله غفوراً رحيماً * ومناسبة هذه لما قبلها أنه تعالى لما ذكر من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستئذان وتوقيره عليه الصلاة والسلام في أن لا يكون دعاؤهم له عليه الصلاة والسلام كدعاء بعضهم بعضاً بل بالإِجلال والتعظيم والتوقير وربت على مخالفة أمره إصابة الفتنة أو العذاب ناسب افتتاح هذه السورة بتعظيمه عليه الصلاة والسلام بنسبته إليه وإنزاله القرآن عليه وجعله نذيراً للعالمين كلهم وناسب قوله: لله ما في السماوات والأرض، وتنزيهه تعالى عن الولد والشريك * والضمير في ليكون عائد على عبده لأنه أقرب مذكور والفرقان القرآن.﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ عام في الخلق.﴿ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ﴾ تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة والأزمان والمقادير والمصلحة والإِتقان والضمير في واتخذوا عائد على ما يفهم من سياق الكلام لأن في قوله: ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك دلالة على ذلك إذ لم ينتف إلا وقد قيل به ويندرج في واتخذوا كل من ادعى إلهاً غير الله ولا يختص بذلك عباد الأوثان ولا عباد الكواكب.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ قال ابن عباس: هو النضر بن الحارث وأتباعه والإِفك أسوأ الكذب.﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾ قال: مجاهد قوم من اليهود ألقوا أخبار الأمم إليه وقيل عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤن التوراة أسلموا وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعهدهم والظاهر أن الضمير في فقد جاؤوا عائد على الذين كفروا والمعنى أن هؤلاء الكفار وردوا ظلماً كما تقول: جئت المكان فيكن جاء متعدياً بنفسه ويجوز أن يحذف الجار أي جاؤوا بظلم وزور ويصل الفعل بنفسه.﴿ ٱكْتَتَبَهَا ﴾ أي جمعها من قولهم كتب الشىء أي جمعه أو من الكتابة أي كتبها بيده فيكون ذلك من جملة كذبهم عليه وهم يعلمون أنه لا يكتب شيئاً. و ﴿ أَسَاطِيرُ ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هو وهذه أساطير واكتتبها خبر ثاني وأساطير تقدم الكلام عليه قال الزمخشري: قرأ طلحة اكتتبها مبنياً للمفعول والمعنى: اكتتبها كاتب له لأنه أمي لا يكتب بيده وذلك من تمام إعجازه ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب كقوله: واختار موسى قومه ثم بنى الفعل للضمير الذي هداياه فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان بارزاً منصوباً وبقي ضمير الأساطير على حاله فصار اكتتبها كما ترى انتهى لا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين لأن اكتتبها له كاتب وصل فيه اكتتب لمفعولين أحدهما مسرح وهو ضمير الأساطير والآخر مقيد وهو ضميره عليه الصلاة والسلام ثم اتسع في الفعل فحذف حرف الجر فصار اكتتبها إياه كاتب فإِذا بني هذا للمفعول إنما ينوب عن المفعول لمسرح لفظاً وتقدير إلا المسرح لفظاً المقيد تقديراً فعلى هذا كان يكون التركيب اكتتبه لا اكتتبها وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع من العرب في هذا النوع الذي أخذ المفعولين فيه مسرح لفظاً وتقديراً والآخر مسرح لفظاً لا تقديراً قال الفرزدق: ومنا الذي اختير الرجال سماحة   وجود إذا هب الرياح الزعازعولو جاء على ما قرره الزمخشري لجاء التركيب ومنا الذي اختيره الرجال لأن اختار تعدى إلى الرجال على إسقاط حرف الجر إذ تقديره اختر من الرجال.﴿ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ ﴾ أي كل سر خفي ورد عليهم بهذا وهو وصفه تعالى بالعلم لأن هذا القرآن لم يكن ليصدر إلا من عالم بكل المعلومات.﴿ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ ﴾ الضمير لكفار قريش وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور ذكره ابن إسحاق في السير فقالوا عتبة وغيره ان كنت تحب الرئاسة وليناك علينا أو المال جمعنا لك فلما أبى عليهم اجتمعوا عليه فقالوا مالك وأنت رسول من الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق لالتماس الرزق سل ربك أن ينزل معك أو يلقي إليك كنزاً تنفق منه أو يرد لك جبال مكة ذهباً وتزال الجبال ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت وهذا استفهام يصحبه استهزاء.﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ ﴾ بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره.﴿ فَضَلُّواْ ﴾ أي أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم والإِشارة بذلك الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الكنز والجنة في الدنيا والظاهر أن هذا الجعل كان يكون في الدنيا لو شاء الله وقيل في الآخرة.﴿ وَيَجْعَل لَّكَ ﴾ قرىء: بجزم اللام معطوفاً على قوله جعل لأنه في موضع جزم على جواب الشرط وقرىء بالرفع على الاستئناف أي وهو يجعل لك * قال الزمخشري: وقرىء: ويجعل بالرفع عطفاً على جعل إذ الشرط إذ أوقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله: وإن أتاه خليل يوم مسئلة   يقول لا غائب مالي ولا حرمانتهى هذا الذي ذهب إليه الزمخشري ليس مذهب سيبويه وفي المسئلة خلاف ذكر في النحو.﴿ وَأَعْتَدْنَا ﴾ جعلنا معداً.﴿ لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ ﴾ عام في هؤلاء المكذبين وغيرهم.﴿ سَعِيراً ﴾ ناراً كثيرة الإِيقاد.﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾ أي صارت منهم بقدر ما يرى الرائي من البعد كقولهم: دورهم تتراءى أي تتناظر وتتقابل ومنه لا تتراءى ناراً هما وقيل هو على حذف مضاف أي إذا رأتهم خزنتها.﴿ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا ﴾ صوت تغيظ لأن التعيظ لا يسمع وإذا كان على حذف مضاف كان لمعنى تغيظ الزبانية وزفروا على الكفار غضباً وشهوة للإِنتقام منهم وقيل سمعوا صوت لهيبها واشتعالها وانتصب مكاناً على الظرف أي في مكان ضيق وعن ابن عباس يضيق عليهم الزج في الرمح.﴿ مُّقَرَّنِينَ ﴾ قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل وقيل بقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الاصفاد.﴿ هُنَالِكَ ﴾ ظرف مكان أشير به لقوله: مكاناً ضيقاً والظاهر دعاء الثبور وهو الهلاك فيقولون واثبوراه.﴿ لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ﴾ يقال لهم لا تدعوا أوهم أحق أن يقال لهم ذلك وإن لم يكن هناك قول أي لا تقتصروا على حزن واحد بل احزنوا حزناً كثيراً وكثرته اما لديمومة العذاب فهو متجدد دائماً واما لأنه أنواع وكل نوع منه يكون ثبوراً لشدته وفظاعته والظاهر أن الإِشارة بذلك إلى النار وأحوال أهلها وخير هنا ليست تدل على الأفضلية بل هي على ما جرت عادة العرب من بيان فضل الشىء وخصوصيته بالفضل مقابلة كقوله: فشركما لخير كما الفداء * وهذا الاستفهام على سبيل التوقيف والتوبيخ * قال ابن عطية: ومن حيث كان الكلام استفهاماً جاز فيه مجيء لفظة التفضيل بين الجنة والنار في الحيز لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما يشاء ليرى هل يجيبه بالصواب أم بالخطأ وإنما منع سيبويه وغيره من التفضيل بين شيئين لاشترك بينهما في المعنى الذي فيه تفضيل إذا كان الكلام خبراً لأن فيه مخالفة وأما إذا كان استفهاماً فذلك سائغ انتهى ما ذكره يخالفه قوله: فشركما لخيركما الفداء وقوله:﴿ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾[يوسف: ٣٣] فإِن هذا خبر وكذلك قولهم: العسل أحلى من الخل إلا أن يقيد الخبر بأنه إذا كان واضح الحكم فيه للسامع بحيث لا يختلج في ذهنه ولا يتردد أيهما أفضل فإِنه يجوز.﴿ وَعْداً ﴾ أي موعوداً.﴿ مَّسْئُولاً ﴾ سألته الملائكة في قولهم:﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ ﴾[غافر: ٨].
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ الآية، قرىء: نحشرهم وفنقول بالنون والياء فيهما * قال ابن عطية: وقرأ الأعرج نحشرهم بكسر الشين وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين " انتهى " هذا ليس كما ذكر بل فعل المتعدي الصحيح جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة ولا حلقي عين ولا لام فإِنه جاء على يفعل ويفعل كثيراً فإِن شهر أحد الاستعمالين اتبع وإلا فالخيار حتى أن بعض أصحابنا خير فيهما سمعا للكلمة أولم يسمعا * وقال الجمهور: من عبد من يعقل ممن لم يأمر بعبادته كالملائكة وعيسى وعزير وهو الأظهر: لقوله:﴿ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي ﴾ وما بعده من المحاورات التي ظاهرها أنها لا تصدر إلا من العقلاء جاء ما يشبه ذلك خصوصاً وفي قوله:﴿ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾[سبأ: ٤٠]، و﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي ﴾[المائدة: ١١٦] وسؤاله تعالى وهو عالم بالمسؤول عنه ليجيبوا بما أجابوا به فيبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فتزيد حسرتهم وجاء الاستفهام مقدماً فيه الاسم على الفعل ولم يأت التركيب أضللتم ولا أم ضلوا لأن كلاً من الضلال والإِضلال واقع والسؤال إنما هو عن فاعله وتقدم نظير هذا في قوله:﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا ﴾[الأنبياء: ٦٢].
و ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ تنزيه لله تعالى أن يشرك معه في العبادة أحد أو يفرد بعبادة.﴿ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ مفعول على زيادة من وحسن زيادتها انسحاب النفي على أن يتخذ لأنه معمول لينبغي وإذا انتفى الابتغاء لزم منه انتفاء متعلقة وهو اتخاذ ولي من دون الله ولما تضمن قولهم: ما كان ينبغي لنا انا لم نضللهم ولم نحملهم على الامتناع من الإِيمان صلح أن يستدرك بلكن والمعنى لكن أكثرت عليهم وعلى آبائهم النعمة وأطلت أعمارهم وكان يجب عليهم شكرها والإِيمان بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فكان ذلك سبباً للإِعراض عن ذكر الله تعالى.﴿ بُوراً ﴾ البور مصدر يوصف به الواحد والجمع وقيل جمع بائر كعائد وعود وقيل فسدي وهو لغة الأزد يقولون أمر بائر أي فاسد وبارت البضاعة فسدت ومنه قولهم أرض بوار أي متعطلة لا نبات فيها.﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾ هذا من قول الله تعالى بلا خلاف وهي مفاجأة بالاحتجاج والإِلزام والخطاب للمعبودين من العقلاء عيسى والملائكة وعزير وهو الظاهر لتناسق الخطاب مع قوله: أنتم أضللتم أي كذبكم المعبودون.﴿ بِمَا تَقُولُونَ ﴾ أي بقولهم انكم أضللتموهم وزعمهم أنكم أولياؤهم من دون الله تعالى.﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ﴾ لأنفسهم عما هم عليه وما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه.﴿ وَلاَ نَصْراً ﴾ لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذيبهم.﴿ وَمَن يَظْلِم ﴾ الظاهر أنه عام والظلم هنا الشرك ومفعول أرسلنا محذوف تقديره رسولاً من المرسلين والجملة بعد إلا في موضع الحال ولما تقدم طعنهم على الرسول عليه الصلاة والسلام بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أن هذه عادة مستمرة في كل رسله عليهم السلام.﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ هو عام للمؤمن والكافر فالصحيح فتنة للمريض والغني فتنة للفقير والفقير الشاكر فتنة للغني والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره وكذلك العلماء وحكام العدل وقد تلا ابن القاسم هذه الآية حين رأى أشهب والتوقيف بـ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمة محمد عليه الصلاة والسلام كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختباراً ثم وقفهم هل تبصرون أم لا ثم أعرب قوله:﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾ عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين.﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ﴾ الآية لا يرجون أي لا يخافون.﴿ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ فتخبرنا أنك رسول حقاً.﴿ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ﴾ فيخبرنا بذلك وهذا كله على سبيل التعنت وإلا فما جاءهم به من المعجزات كاف لو وفقوا. و ﴿ لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾ أي تكبروا.﴿ فِيۤ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي عظموا أنفسهم بسؤال رؤية الله تعالى وهم ليسوا بأهل لها واللام في لقد جواب قسم محذوف. و ﴿ وَعَتَوْا ﴾ تجاوزوا الحد في الظلم ووصف بكبيراً مبالغة في إفراطه أي لم يجسروا على هذا القول إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو وجاء هنا عتواً على الأصل وفي مريم عتياً على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل قال ابن عباس: عتواً كفروا أشد الكفر وأفحشوا.﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾ يوم منصوب باذكر وهو أقرب أو بفعل يدل عليه.﴿ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ أي يمنعون البشرى ولا يعمل فيه لا بشرى لأنه مصدر ولأنه منفي بلا التي لنفي الجنس لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ودخول لا على بشرى لانتفاء أنواع البشرى وهذا اليوم الظاهر أنه يوم القيامة لقوله: بعد وقدمنا إلى ما عملوا من عمل، والظاهر عموم المجرمين فيندرج هؤلاء القائلون فيهم والظاهر أن الضمير في ويقولون عائد على القائلين لأنهم المحدث عنهم كأنهم يطلبون نزول الملائكة ثم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولون عند لقاء العدو ونزول الشدة.﴿ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ عوذا يستعيذون من الملائكة وقال أبو عبيدة: هاتان اللفظتان عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.﴿ وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ﴾ القدوم الحقيقي مستحيل في حق الله تعالى فهو عبارة عن حكمه بذلك وإنفاذه قيل أو على حذف مضاف أي قدمت ملائكتنا أسند ذلك إليه لأنه عن أمره وحسنت لفظة قدمنا لأن القادم على شىء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب ومثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرىء: ضيف ومنّ على أسير وغير ذلك من مكارمهم بحال قوم خالفوا سلطانهم فقصد إلى ما تحت أيديهم فمزقها بحيث لم يترك لها أثراً وفي أمثالهم أقل من الهباء ومنثوراً صفة للهباء شبه بالهباء لقلته وأنه لا ينتفع به ثم وصفه بمنثوراً لأن الهباء تراه منتظماً مع الضوء فإِذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب.﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ المستقر مكان الاستقرار في أكثر الأوقات والمقيل المكان الذي يأوون إليه في الاسترواح إلى الأزواج والتمتع ولا نوم في الجنة فسمي مكان استرواحهم إلى الحور.﴿ مَقِيلاً ﴾ على طريق التشبيه إذ المكان المتخير للقيلولة يكون أطيب المواضع وفي لفظ أحسن رمز إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور إلى غير ذلك من التحاسين.


الصفحة التالية
Icon