﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور إلا أربع آيات من والشعراء إلى آخر السورة ومناسبة أولها لآخر ما قبلها أنه لما قال تعالى فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ذكر تلهف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كونهم لم يؤمنوا وكونهم كذبوا بالحق لما جاءهم ولما أوعدهم في آخر السورة بقوله فسوف يكون لزاماً أوعدهم في أول هذه فقال إثر إخباره بتكذيبهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون وتلك إشارة إلى آيات السورة وآيات القرآن المبين هو القرآن وتقدم تفسير باخع نفسك في أول الكهف.﴿ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي لئلا يؤمنوا أو خيفة أن لا يؤمنوا.﴿ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ ﴾ دخلت إن على نشأ وان للممكن أو المحقق المنبهم زمانه ومعنى آية أي ملجئة إلى الإِيمان تقهر عليه.﴿ أَعْنَاقُهُمْ ﴾ أعناق الناس رؤسائهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما قيل لهم الرؤوس والصدور.﴿ خَاضِعِينَ ﴾ أي متذللين.﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ ﴾ تقدم تفسيره في الأنبياء.﴿ إِلاَّ كَانُواْ ﴾ جملة حالية أي لا يكونون.﴿ مُعْرِضِينَ ﴾ عنها وكان تدل على أن ديدنهم وعادتهم الإعراض عن ذكر الله تعالى ولما كان إعراضهم عن النظر في صانع الوجود نبه تعالى على قدرته وأنه الخالق المنشىء الذي يستحق العبادة بقوله.﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾ والزوج النوع والكريم الحسن.﴿ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ ﴾ تسجيل على أكثرهم بالكفر.﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب القاهر ولما كان الموضع موضع بيان القدرة قدم صفة العزة على صفة الرحمة فالرحمة إذا كانت عن قدرة كانت أعظم وقعاً والمعنى أنه عز في نقمته من الكفار ورحم مؤمني كل أمة ولما ذكر تكذيب قريش بما جاءهم من الحق وإعراضهم عنه ذكر قصة موسى عليه السلام وما قاسى مع فرعون وقومه ليكون ذلك مسلاة لما يقاسي عليه السلام من كفار قريش قد اتخذت آلهة من دون الله تعالى وكان قوم فرعون قد اتخذوه إلهاً وكان أتباع ملة موسى عليه السلام المجاورون من آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام بدأ بقصة موسى عليه السلام ثم ذكر بعد ذلك ما يأتي ذكره من القصص والعامل في إذ أتل مضمرة أي أتل هذه القصة فيما تتلو ومعنى نادى دعا * وأن يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون تفسيرية وسجل عليهم بالظلم لظلم أنفسهم بالكفر وظلم بني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد وقوم فرعون قيل بدل من القوم الظالمين والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد إذ كل واحد من عطف البيان ومتبوعه مستقل بالإِسناد ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك أتى عطف البيان بإِزالته إذ هو أشهر وقرىء ألا يتقون باليا على الغيبة وبتاء الخطاب على طريق الإِلتفات إليهم إنكاراً وغضباً عليهم وإن لم يكونوا حاضرين لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم والظاهر أن الا للعرض المضمن الحض على التقوى قال الزمخشري: ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالاً من الضمير في الظالمين أن يظلمون غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإِنكار على الحال " انتهى " هذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعل حالاً من الضمير في الظالمين وقد أعرب هو قوم فرعون عطف بيان فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي منهما لأن قوم فرعون معمول لقوله: إئت والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين وذلك لا يجوز وأيضاً لو لم يفصل بينهما بقوله قوم فرعون لم يجز أن تكون الجملة حالاً لأن ما بعده الهمزة يمتنع أن يكون معمولاً لما قبلها وقولك جئت أمسرعاً على أن يكون أمسرعاً حالاً من الضمير في جئت لا يجوز فلو أضمرت عاملاً بعد الهمزة جاز ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الألوهية كثير المهابة قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصاً من كان من بني إسرائيل قال موسى عليه السلام.﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ وقرىء يضيق ولا ينطلق بالرفع فيهما عطفاً على أخاف والمعنى أنه يفيد ثلاث علل خوف التكذيب وضيق الصدر وامتناع إنطلاق اللسان وقرىء بالنصب فيهما عطفاً على يكذبون فيكون التكذيب وما بعده متعلقاً بالخوف وفي الخبر أن الله أرسل موسى إلى هارون وكان هارون بمصر حين بعث الله موسى نبياً بالشام قيل سار أهله إلى مصر فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال أنا موسى فتعارفا وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة فصاحت أمهما لخوفها عليهما فذهبا إليه.﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ ﴾ أي قبلي قود ذنب أو عقوبة ذنب وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها.﴿ كَلاَّ ﴾ رد لقوله إني أخاف أي لا تخف ذلك وقوله فاذهبا أمر لهما بخطاب موسى فقط لأن هارون ليس بمكلم بإِجماع ولكنه قال لموسى إذهب أنت وأخوك. و ﴿ مَعَكُمْ ﴾ قيل من وضع الجمع موضع المثنى أي معكما وقيل هو على ظاهره من الجمع والمزاد موسى وهارون ومن أرسلا إليه وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع الخطاب لموسى وهارون فقط قال: لأن لفظة مع تباين من يكون كافراً فإِنه لا يقال الله معه وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله سيبوه وكأنهما لشرفهما عند الله عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته عنده وأفرد رسول هنا ولم يثن كما في قوله انا رسولا ربك اما لأنه مصدر بمعنى الرسالة فجاز أن يقع مفرداً خبراً لمفرد فما فوقه واما لكونهما ذوي شريعة واحدة فكأنهما رسول واحد وأريد بقوله انا إن كل واحد منا رسول ورسول رب العالمين فيه رد عليه وانه مربوب لله تعالى بأداه بنقض ما كان أبرمه من ادعاء الألوهية ولذلك أنكر فقال: وما رب العالمين والمعنى إليك وإن أرسل يجوز أن تكون تفسيرية لما في رسول من معنى القول وأن تكون مصدرية وأرسل بمعنى أطلق وسرح كما تقول أرسلت الحجر من يدي وأرسلت الصقر وكان وموسى عليه السلام مبعوثاً إلى فرعون في أمرين إرسال بني إسرائيل ليزول عنهم العبودية والإِيمان بالله وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل وإرسالهم معهما كان إلى فلسطين وكانت مسكن موسى وهارون.﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً ﴾ الآية يروى أنهما انطلقا إلى فرعون وأديا الرسالة فعرف موسى فقال له ألم نربك فينا وليدا وفي الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره فأتيا فرعون فقالا له ذلك ولما بادهه موسى بأنه رسول رب العالمين وأمره بإِرسال بني إسرائيل معه أخذ يستحقره ويضرب عن المرسل وما جاء به من عنده ويذكره بحالة الصغر والمنّ عليه بالتربية والوليد الصبي وهو فعيل بمعنى مفعول أطلق ذلك عليه لقربه من الولادة وقرىء:﴿ فَعْلَتَكَ ﴾ بفتح الفاء إذ كانت وكزة واحدة وقرأ الشعبي فعلتك بكسر الفاء يريد الهيئة لأن الوكزة نوع من القتل عدد عليه نعمة التربية ومبلغه عنده مبلغ الرجال حيث كان يقتل نظراءه من بني إسرائيل وذكره ما جرى على يده من قتل القبطي وعظم ذلك بقوله وفعلت فعلتك التي فعلت لأن في هذا الإِبهام بكونه لم يصرح انها القتل تهويل للواقعة وتعظيم شأنها.﴿ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾ بالنعمة التي لي عليك من التربية والإِحسان.﴿ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً ﴾ أجابه موسى عليه السلام عن كلامه الأخير المتضمن للقتل إذ كان الإِعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية لأن فيه إزهاق النفس.﴿ وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ ﴾ معناه من الجاهلين بأن وكزتي إياه تأتي على نفسه.﴿ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ ﴾ الفرار لم يكن منه وحده وإنما هو منه ومن ملائه المذكورين قبل.﴿ وَتِلْكَ ﴾ إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله ألم نربك فينا وليدا ذكر هذا أخيراً على ما بدأ به فرعون في قوله: ألم نربك فينا والظاهر أن هذا الكلام إقرار من موسى عليه السلام بالنعمة ويقول وتربيتك لي بنعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني واتخذتني ولدا ولكن لا يدفع ذلك رسالتي قال قتادة هذا منه على جهة الإِنكار عليه أن تكون ثم نعمة كأنه يقول أو يصح لك أن تعتد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلتهم أي ليست بنعمة لأن الواجب كان أن لا تقتلني، ان لا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ولما أخبر موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين لم يسئل إذ ذاك فيقول وما رب العالمين بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي. فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل وكان في قوله رسول رب العالمين دعاء إلى الإِقرار بربوبية الله تعالى وإلى طاعة رب العالمين فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر موسى أنه رسول من عنده والظاهر أن سؤاله بما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادة وكان عالماً بالله تعالى ويدل عليه لقد علمت ما أنزل هؤلاء الارب السماوات والأرض بصائر ولكنه تعامى عن ذلك طلباً للرياسة ودعوى الإِلهية فاستفهم بما استفهاماً عن مجهول من الأشياء فمن ربكما يا موسى لما سأله فرعون وكان السؤال مما التي هي سؤال عن الماهية ولم يمكن الجواب بالماهية أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها وهي ربوبية السماوات والأرض وما بينهما.﴿ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ ﴾ بشىء قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله وهذه المحاورة من فرعون تدل على أن موسى عليه السلام دعاه إلى التوحيد.﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ ﴾ هم أشراف قومه قيل كانوا خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة.﴿ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ ﴾ أي ألا تصغون إلى هذه المقالة إغراء به وتعجباً إذ كانت عقيدتهم أن فرعون ربهم ومعبودهم.﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ نبههم على منشئهم ومنشىء آبائهم وجاء في قوله الأولين دلالة على إماتتهم بعد إيجادهم وانتقل من الاستدلال بالعام إلى ما يخصهم ليكون أوضح لهم في بيان بطلان دعوى فرعون الإِلهية إذ كان آباؤهم الأولون تقدّموا فرعون في الوجود فمحال أن يكون وهو في العدم صرف إلهاً لهم.﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ﴾ أي هذا الذي يدعي الرسالة لا يفهم السؤال فضلاً عن أن يجيب عنه فقال موسى عليه السلام:﴿ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ﴾ فعدل إلى طريق أوضح من الثاني وذلك أنه أراد بالمشرق طلوع الشمس وظهور النهار وأراد بالمغرب غروب الشمس وزوال النهار وهذا التقدير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر يدبره ولما انقطع فرعون في باب الإِحتجاج رجع إلى الإِستعلاء والغلب وهذا أبين علامات الإِنقطاع فتوعد موسى بالسجن حين أعياه خطابه.﴿ قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي ﴾ الآية ولما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يروعه توعد فرعون قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه:﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ ﴾ أي يوضح لك صدقي أفكنت تسجنني حتى في هذه الحالة التي لا يناسب أن أسجن وأنا متلبس بها ولما سمع فرعون هذا من موسى طمع أن يجد موضع معارضة فقال له:﴿ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ ﴾ أي رماها من يده وتقدّم الكلام على عصى موسى عليه السلام والثعبان أعظم ما يكون من الحيات ومعنى مبين ظاهر الثعبانية ليست من الأشياء التي تزور بالشعبذة والسحر.﴿ وَنَزَعَ يَدَهُ ﴾ من جيبه.﴿ فَإِذَا هِيَ ﴾ تلألأ كأنها قطعة من الشمس ومعنى للناظرين أي بياضها يجمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضاً نورانياً روي أنه لما أبصر أمر العصى قال: فهل غيرها فأخرج يده فقال ما هذه قال: يدك فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.﴿ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ ﴾ الآية تقدم الكلام عليها.﴿ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ وهو يوم الزينة.