﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * الۤـمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ هذه السورة مكية قال ابن عباس: إلا ثلاث آيات أولهن ولو ان ما في الأرض وسبب نزولها أن قريشاً سألت عن قصة لقمان مع ابنه وعن بر والديه فنزلت * ومناسبتها لما قبلها أنه قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ ﴾[الروم: ٥٨] فأشار هنا إلى ذلك بقوله: ﴿ الۤـمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ﴾ الخ وكان في آخر تلك ولئن جئتهم بآية وهنا وإذا تتلى عليه وتلك إشارة إلى البعيد فاحتمل أن يكون ذلك البعد غايته وعلو شأنه وآيات الكتاب أي القرآن أو اللوح المحفوظ. ولما ذكر من صفات القرآن الحكمة وأنه هدى ورحمة وان متبعه فائز ذكر حال من بدل بطلب الحكمة اللهو وذكر مبالغته في ارتكابه حتى جعله مشترياً له وباذلاً فيه رأس عقله وذكر علته وأنها الإِضلال عن طريق الله تعالى ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث كان يتجر إلى فارس ويشتري كتب الأعاجم فيحدث قريشاً بحديث رسم واسفندار يقول: أنا أحسن حديثاً ومن قوله: من يشتري موصولة بدأ أولاً بالحمل على اللفظ فأفرد في قوله: وإذا تتلى إلى آخر الضمائر وضمن هذه الآية ذم المشتري من وجوه التولي عن الحكمة ثم الاستكثار ثم عدم الالتفات إلى سماعها كأنه غافل عنها ثم الإِيغال في الإِعراض بكون أذنيه كان فيهما صمماً يصده عن السماع. و ﴿ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ حال من الضمير في مستكبراً أي مشبهاً حال من لم يسمعها لكونه لا يجعل لها بالاً ولا يلتفت إليها وكأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن واجب الحذف وكان في أذنيه حال من لم يسمعها وانتصب.﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ ﴾ على أنه مصدر مؤكد والعامل فيه محذوف تقديره وعد الله وحقاً منصوب بمحذوف تقديره أحق حقاً وكلاهما مؤكد لما قبلهما.﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾ تقدم الكلام عليه والزوج الصنف ومعنى كريم مدحه بكرم جوهره ونفاسته وحسن منظره.﴿ هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ ﴾ إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته وبخ بذلك الكفار وأظهر حجته عليهم والخلق بمعنى المخلوق كقولهم: درهم ضرب الأمير أي مضروبه.﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ ﴾ اختلف في لقمان هل كان حراً أم عبداً أم نبياً أم رجلاً صالحاً إختلافاً كثيراً مذكوراً في البحر والحكمة المنطق الذي يتعظ به ويتنبه وتتناقله الناس.﴿ أَنِ ٱشْكُرْ ﴾ هي المخففة من الثقيلة أو مفسرة ولنفسه أي ثواب الشكر لا يحصل إلا للشاكر وكفر من كفر لا يضره وحميد مستحق الحمد لذاته وصفاته * وإذ قال الناصب لأن أذكر محذوفة واختلف في إسم ابنه إختلافاً كثيراً.﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ جملة حالية قيل كان ابنه وامرأته كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما والظاهر أن قوله:﴿ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ من كلام لقمان وقيل هو خبر من الله منقطع عن كلام لقمان متصل به في تأكيد المعنى وفي صحيح مسلم ما ظاهره أنه من كلام لقمان.﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ هذه الآية إعتراض بين أثناء وصية لقمان وفيها تشديد وتوكيد لاتباع الولد والده وامتثال أمره في طاعة الله تعالى والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص وعليه جماعة من المفسرين ولما خص الأم بالمشقات من الحمل والنفاس والرضاع والتربية نبه على السبب الموجب للإِيصاء بها ولذلك جاء في الحديث الأمر ببر الأم ثلاث مرات ثم ذكر الأب فجعل له مرة الربع من المبرة.﴿ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ ﴾ قال ابن عباس: شدة بعد شدة وخلقاً بعد خلق.﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ ومعناه فصاله في تمام عامين عبر عنه بنهايته وأجمعوا على اعتبار العامين في مدة الرضاع في باب الإِحكام والنفقات وأما في تحريم اللبن في الرضاع فخلاف مذكور في الفقه.﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ ﴾ تقدّم الكلام عليه في العنكبوت وانتصب معروفاً على أنه صفة لمصدر محذوف أي صحاباً أو مصاحباً معروفاً وعشرة جميلة وهو إطعامهما وكسوتهما وعدم جفائهما وانتهارهما وعيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا.﴿ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ أي رجع إلى الله تعالى وهو سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم لا سبيلهما.﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي مرجعك ومرجعهما فأجازي كلاً منكم بعمله ولما نهى لقمان ابنه عن الشرك نبه على قدرة الله تعالى وأنه لا يمكن أن يتأخر عن مقدوره شىء. فقال ﴿ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ ﴾ والظاهر ان الضمير في انها ضمير القصة وتك مضارع كان حذفت نونها وهي تامة ومثقال فاعل بتك وأنث الفعل لإِضافة الفاعل إلى مؤنث كما قالوا تواضعت سور المدينة.﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ في موضع الصفة لحبة فتكن معطوف على تك وهي تامة اسمها مضمر فيها أي فتكن هي والخبر في صخرة وبدأ أولاً بما يتعقله الإِنسان وهي كينونة الشىء في صخرة وهو ما صلب من الحجر وعسر إخراجه منها ثم اتبعه بالعالم العلوي وهو أغرب للسامع ثم أتبعه بما يكون مقر الأشياء للشاهد وهو الأرض * يأت بها الله جواب الشرط لما نهاه أولاً عن الشرك أمر بما يتوسل به إليه من الطاعات فبدأ بأشرفها وهو الصلاة ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم بالصبر على ما يصبه من المحن.﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ إشارة إلى ما تقدّم مما نهاه عنه وأمره به والعزم مصدر فاحتمل أن يكون يراد به المفعول أي من معزوم الأمور واحتمل أن يراد به الفاعل أي عازم الأمور كقوله: فإِذا عزم الأمر وقرىء:﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ ﴾ ولا تصاعر معناه لا تولهم شق وجهك كفعل المتكبر وأقبل على الناس بوجهك من غير تكبر ولا إعجاب.﴿ وَلاَ تَمْشِ ﴾ تقدم الكلام عليه في سبحان.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ﴾ تقدّم الكلام عليه في النساء.﴿ وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ لما نهاه عن الخلق الذميم أمره بالخلق الكريم وهو القصد في المشي بحيث لا يبطىء كما يفعل المتنامسون والمتعاجبون يتباطؤون في نقل خطواتهم المتنامس للرياء والمتعاجب للترفع ولا تسرع كما يفعل الخرق المشهور * والغض من الصوت التنقيص من رفعه وجهارته والغض رد طموح الشىء كالصوت والنظر والزمام وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت وتمدح به في الجاهلية والظاهر أن قوله:﴿ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ ﴾ من كلام لقمان لابنه تنفيراً له عن رفع الصوت وقيل هو من كلام الله تعالى ردّ الله به على المشركين الذين كانوا يتفاخرون بجهارة الصوت وقيل واقصد في مشيك إشارة إلى الأفعال واغضض من صوتك إشارة إلى الأقوال فنبه على التوسط في الأفعال وعلى الإِقلال من فضول الكلام.