﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ هذه السورة مكية إلا قوله الله نزل أحسن الحديث وقل يا عبادي قاله ابن عباس.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ مبتدأ وهم المشركون والخبر محذوف وهو قالوا المحكي به قوله ما نعبدهم أي والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا: ما نعبد تلك الأولياء إلا ليقربونا إلى الله زلفى.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ ﴾ في دعواه إن الله تعالى شريكاً.﴿ كَـفَّارٌ ﴾ لأنعم الله حيث جعل مكان الشكر الكفر والمعنى لا يهدي من ختم عليه بالوفاة على الكفر فهو عام والمعنى على الخصوص منكم قد هدى من سبق منه الكذب والكفر ولما كان من كذبهم دعوى بعضهم أن الملائكة بنات الله وعبدوها عقبه بقوله:﴿ لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ تشريفاً له وتبييناً إذ يستحيل ذلك أن يكون ذلك في حقه تعالى بالتوالد المعروف.﴿ لاَّصْطَفَىٰ ﴾ أي اختار من مخلوقاته.﴿ مَا يَشَآءُ ﴾ ولدا على سبيل التبني ولكنه تعالى لم يشأ ذلك لقوله:﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾[مريم: ٩٢] وهو عام في اتخاذ النسل واتخاذ الاصطفاء ويدل على أن الاتخاذ هو التبني والاصطفاء. قوله: مما يخلق أي من الخلائق التي أنشأها واخترعها ثم نزه تعالى نفسه تنزيهاً مطلقاً فقال:﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ ثم وصف نفسه بالوحدانية وبالقهر وهما الصفتان الدالتان على إنفراده بالألوهية والقهر لجميع العالم كلهم.﴿ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ ﴾ يطوي كلاً منهما على الآخر فكان الآخر صار عليه جزء منه ووصف الانعام بالإِنزال مجاز والإِنعام الإِبل والبقر والضان والمعز.﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ لأن من كل منها ذكراً وأنثى والزوج ما كان معه آخر من جنسة فإِذا انفرد فهو فرد ووتر قال تعالى:﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ ﴾[القيامة: ٣٩] ومعنى خلقا رتبها خلقا من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك والظلمات الثلاث البطن والرحم والمشيمة.﴿ ذَٰلِكُمُ ﴾ إشارة إلى المتصف بتلك الأوصاف السابقة من خلق السماوات والأرض وما بعد ذلك من الأفعال.﴿ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ أي كيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره.﴿ إِن تَكْفُرُواْ ﴾ قال ابن عباس: خطاب للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم وعباده هم المؤمنون ويؤيده قبل فأنى تصرفون وهذا للكفار فجاء أن تكفروا خطاباً لهم.﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ﴾ وعن عبادتكم إذ لا يرجع إليه تعالى منفعة بكم ولا بعبادتكم إذ هو الغني المطلق. وقال الزمخشري ولقد تمحل بعض الغواة ليثبت لله تعالى ما نفاه عن ذاته من الرضا لعباده الكفار فقال: هذا من العام الذي أريد به الخاص وما أراد إلا عباده الذين عناهم في قوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان يريد المعصومين كقوله:﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ ﴾[الإنسان: ٦] تعالى الله عما يقول الظالمون " انتهى ". فسمى عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وأعلام أهل السنة بعض الغواة وأطلق عليهم إسم الظالمين وذلك من سفهه وجرأته كما قلت في القصيدة التي ذكرت فيها ما ينقد عليه: ويشتم أعلام الأئمة ضلة ولا سيما ان أولجوه المضايقا﴿ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ قال ابن عباس يضاعف لكم وكأنه يريد ثواب الشكر وقرىء يرضه بصلة الهبا بواو وباختلاس الحركة وإسكان الهاء قال أبو حاتم: السكون غلط لا يجوز " انتهى ". وليس بغلط بل ذلك لغة لبني كلاب وبني عقيل.﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ ﴾ الآية، الظاهر أن الإِنسان هنا جنس الكافر وقيل معين كعتبة بن ربيعة نسى أي ترك والظاهر أن ما بمعنى الذي أي نسى الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه وجعل الله انداداً أي أمثالاً لا يضاد بعضها بعضاً ويعارض قل تمتع أتى بصيغة امر فقال: تمتع بكفرك أي تلذذ به واصنع ما شئت قليلاً أي عمرا قليلاً والخطاب للكافر جاعل الأنداد لله تعالى إنك من أصحاب النار أي من سكانها المخلدين فيها ولما شرح تعالى شيئاً من أحوال الضالين المشركين أردفه بشرح أحوال المهتدين الموحدين فقال:﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ﴾ والقانت المطيع والظاهر أن الهمزة لاستفهام التقرير ومقابله محذوف لفهم المعنى والتقدير أهذا القانت خير أم الكافر المخاطب بقوله: تمتع بكفرك ويدل عليه قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون ومن حذف المقابل قول الشاعر: دعاني إليها القلب إني لأمرها سميع فما أدري أرشد طلابهاتقديره أم غن.﴿ قُلْ يٰعِبَادِ ﴾ روي أنها نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة وعدهم تعالى فقال: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ والظاهر تعلق في هذه بأحسنوا وان المحسنين في الدنيا لهم في الآخرة حسنة أي حسنة عظيمة وهي الجنة والصفة محذوفة يدل عليها المعنى لأن من أحسن في الدنيا لا يوعد أن يكون له في الآخرة مطلق حسنة ثم حض على الهجرة فقال:﴿ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ ﴾ أي لا عذر للمفرطين البتة حتى ان اعتلوا بأوطانهم وانهم لا يتمكنون فيها من أعمال الطاعات قيل لهم ان بلاد الله كثيرة واسعة فتحولوا إلى الأماكن التي يمكنكم فيها الطاعات.﴿ فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾ صيغة أمر على جهة التهديد كقوله تعالى: ﴿ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ ﴾.
﴿ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ أي هم.﴿ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾ حيث صاروا من أهل النار.﴿ وَأَهْلِيهِمْ ﴾ حيث كانوا معهم في النار ولما ذكر خسرانهم أنفسهم وأهليهم ذكر حالهم في جهنم وأنهم من فوتهم ظلل ومن تحتهم ظلل فيظهر أن النار تغشاهم من فوقهم ومن تحتهم وسمي ما تحتهم ظللاً لمقابلة ما فوقهم كما قال تعالى:﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾[العنكبوت: ٥٥] والإِشارة بذلك إلى العذاب أي ذلك العذاب يخوف الله به عباده ليعلموا ما يخلصهم منه ثم ناداهم وأمرهم فقال: يا عباد فاتقون أي اتقوا عذابي.﴿ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ قال ابن زيد: نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر وقال إسحٰق: الإِشارة بها إلى عبد الرحمٰن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير وذلك أنه لما أسلم أبو بكر رضي الله عنه جاؤوه وقالوا له أسلمت قال: نعم وذكرهم بالله تعالى فآمنوا به أجمعهم فنزلت فيهم وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة والطاغوت تقدم الكلام عليه.﴿ أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ أي عبادتها وهو بدل اشتمال.﴿ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ ﴾ أي من الله تعالى بالثواب.﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ هم المجتنبون الطاغوت المنيبون إلى الله تعالى وضع الظاهر موضع المعتمر ليدل على أنهم هم وليرتب على الظاهر الوصف وهو الذين يستمعون القول وهو عام في جميع الأقوال.