﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ ﴾ هذه السورة مكية وقيل غير ذلك ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها ظاهرة قال: آزفة وقال: اقتربت الساعة. وسبب نزولها" أن مشركي قريش قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين ووعدوه بالإِيمان إن فعل وكانت ليلة بدر فسأل ربه فانشق القمر نصفين نصف على الصفا ونصف على قيقعان فقال أهل مكة آية سماوية لا يعمل فيها السحر فقال أبو جهل: اصبروا حتى يأتينا أهل البوادي فإِن أخبروا فشقاقه فهو صحيح وإلا فقد سحر محمد أعيننا فجاء أهل البوادي وأخبروا بانشقاق القمر فأعرض أبو جهل وقال سحر مستمر ".﴿ وَكَذَّبُواْ ﴾ أي بالآيات وبمن جاء بها أي قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد.﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ أي شهوات أنفسهم وما يهوون.﴿ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ أي له غاية ينتهي إليها.﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ ﴾ أي من الأخبار الواردة في القرآن في إهلاك من كذب الأنبياء عليهم السلام وما يؤولون إليه في الآخرة.﴿ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ﴾ أي ازدجار رادع لهم عن ما هم فيه. و ﴿ حِكْمَةٌ ﴾ بدل من مزدجر ووصفت الحكمة ببالغة لأنها تبلغ من مقصد الوعظ والبيان لمن له عقل ما لا يبلغ غيرها.﴿ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ ﴾ يجوز أن تكون ما نافية وأن تكون استفهاماً يراد به التقرير أي فأي شىء تغني النذر مع هؤلاء الكفرة ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال:﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي أعرض عنهم فإِن الإِنذار لا يجدي فيهم ثم ذكر شيئاً من أحوال الآخرة وما يؤولون إليه إذ ذاك متعلق باقتراب الساعة فقال:﴿ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ ﴾ والناصب ليوم اذكر مضمرة وانتصب خشعاً وخاشعة وخاشعاً على الحال من ضمير يخرجون والعامل فيه يخرجون لأنه فعل متصرف وفي هذا دليل على بطلان مذهب الجرمي أنه لا يجوز تقدم الحال على الفعل وإن كان متصرفاً وقد قالت العرب شتى تؤوب الحبلة فشتى حال وقد تقدمت على عاملها وهو تؤوب لأنه فعل متصرف.﴿ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾ أي من القبور.﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ جملة حالية شبههم بالجراد في الكثرة والتموج.﴿ مُّهْطِعِينَ ﴾ قال أبو عبيدة: مسرعين.﴿ يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ لما يشاهدون من مخايل هوله وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه.﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ أي قبل قريش.﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ وفيه وعيد لقريش وضرب مثل لهم ومفعول كذبت محذوف أي كذبت الرسل فكذبوا نوحاً لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لأنه عليه السلام من جملة الرسل وفي لفظ عبدنا تشريف وخصوصية بالعبودية كقوله:﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ﴾[الأنفال: ٤١].
﴿ وَقَالُواْ مَجْنُونٌ ﴾ أي هو مجنون لما رأوا الآيات الدالة على صدقه قالوا: هو مصاب الجن لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون والظاهر أن قوله وازدجر إخبار من الله تعالى أي انتهروه وازدجروه بالسبب والتخويف.﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ ﴾ أي غلبتي قومي فلم يسمعوا مني ويئست من إجابتهم لي.﴿ فَٱنتَصِرْ ﴾ أي فانتقم بعذاب تبعثه عليهم وإنما دعا عليهم بعدما يئس منهم وتفاقم أمرهم.﴿ فَفَتَحْنَآ ﴾ بيان أن الله تعالى انتصر فيهم وانتقم ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم الله تعالى بمطلوبهم.﴿ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ ﴾ جعل الماء كأنه آلة يفتح بها.﴿ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ﴾ أي غزير شديد وانتصب عيوناً على التمييز جعلت الأرض كلها كأنها عيون تنفجر وهو أبلغ من وفجرنا عيون الأرض.﴿ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان ولذلك ذكر نجاة نوح عليه السلام بعدها في قوله:﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾ والدسر المسامير التي تشد بها السفينة وذات الألواح هي السفينة.﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي بمرأى منا.﴿ جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ أي لنوح عليه السلام إذ كان نعمة أهداها الله تعالى إلى قومه لأن يؤمنوا فكفروها المعنى أن حمله في السفينة ومن آمن معه كان جزاء له على صبره على قومه المسيئين من السنين ومن كناية عن نوح عليه السلام ومعنى لمن كفر لمن جحدت نبوته والضمير في تركناها عائد على الفعلة والقصة.﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ تهويل لما حل بقوم نوح من العذاب وإعظام له إذ قد استأصل جميعهم وقطع دابرهم فلم ينسل منهم أحد أي فكيف كان عاقبة إنذاري والنذر جمع نذير وهو الإِنذار وفيه توقيف لقريش على ما حل بالمكذبين أمثالهم.﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ﴾ أي سهلنا.﴿ ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ أي للاذكار والاتعاظ لما تضمنه من المواعظ والوعد والوعيد.﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ أي من متعظ.﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ الآية الصرصر الريح الشديدة الصوت البارة.﴿ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ ﴾ يجوز أن تكون صفة للريح وأن تكون حالاً منها لأنها وصفت فقربت من المعرفة وأن تكون مستأنفة وجاء الظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورهم وإناثهم والجملة التشبيهية حال من الناس وهي حال مقدرة شبههم بإِعجاز النخل المنقعر إذ تساقطوا على الأرض أمواتاً وهم جثة عظام طوال والأعجاز الأصول بلا فروع قد انقلعت من مغارسها وقيل كانت الريح تقطع رؤوسهم فتبقي أجساماً بلا رؤوس فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغرسها وقرىء أبشرا بنصب بشراً على الاشتغال ونصب واحداً صفة له تقديره انتبع بشراً.﴿ إِنَّآ إِذاً ﴾ أي أن اتبعناه فنحن في ضلال أي بعد عن الصواب وحيرة.﴿ وَسُعُرٍ ﴾ أي عذاب ثم زادوا عليه في الإِنكار والاستبعاد. فقالوا ﴿ أَءُلْقِيَ ﴾ أي أأنزل قيل وكأنه يتضمن العجلة في الفعل والعرب تستعمل هذا الفعل في العجلة والذكر هنا الوحي والرسالة وما جاء بهم من الحكمة والموعظة ثم قالوا ليس الأمر كما يزعم.﴿ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ أي بطر يريد العلو علينا وفي قوله:﴿ سَيَعْلَمُونَ غَداً ﴾ تهديد ووعيد ببيان انكشاف الأمر والمعنى أنهم هم الكاذبون الأشرون وأورد ذلك مورد الابهام والاحتمال وإن كانوا هم المعنيون.﴿ إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ ﴾ أي ابتلاءً واختباراً وآنس بذلك صالحاً ولما هددهم بقوله: سيعلمون غداً وكانوا قد ادعوا أنه كاذب قالوا ما الدليل على صدقك. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ ﴾، أي مخرجوها من الهضبة التي سألوها.﴿ فَٱرْتَقِبْهُمْ ﴾ أي فانتظرهم وتبصر ما هم فاعلون.﴿ وَٱصْطَبِرْ ﴾ على أذاهم ولا تعجل حتى يأتي أمر الله تعالى.﴿ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ ﴾ أي ماء البئر التي لهم.﴿ قِسْمَةٌ ﴾ لهم أي بين ثمود والناقة.﴿ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ ﴾ أي محضر لهم وللناقة.