﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ ﴾ الآية هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أنه لما ضرب للكفار مثلاً بتينك المرأتين المحتوم لها بالشقاوة وإن كانتا تحت نبيين ومثلاً للمؤمنين بآسية ومريم وهما محتوم لهما بالسعادة وإن كان قومها كافرين كان ذلك تصرفاً في ملكه على ما سبق به قضاؤه فقال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ ﴾ أي تعالى وتعاظم ﴿ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ ﴾ وهو كناية عن الإِحاطة والقهر وكثيراً ما جاء نسبة اليد إليه تعالى كقوله:﴿ فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾[يس: ٨٣] والملك هنا هو على الإِطلاق لا يبيد ولا يختل ومعنى:﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ ﴾ إيجاد ذلك المصحح وإعدامه والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون وسمى علم الواقع منهم باختيارهم بلوى وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر وفي الحديث أنه فسر.﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أي أيكم أحسن عقلاً وأشدكم لله خوفاً وأحسنكم في أمره ونهيه نظراً وإن كان أقلكم تطوعاً وانتصب.﴿ طِبَاقاً ﴾ على الوصف لسبع فإِما أن يكون مصدر طابق مطابقة وطباقاً كقولهم طابق النعل خصفها طبقاً على طبق وصف به على سبيل المبالغة والتفاوت تجاوز الحد الذي يجب له زيادة أو نقصاناً والخطاب في ترى لكل مخاطب أو للرسول عليه السلام ولما أخبر تعالى أنه لا تفاوت في خلقه أمر بترديد البصر في الخلق المناسب فقال:﴿ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ ﴾ ففي الفاء معنى التسبب والمعنى أن العيان يطابق الخبر والفطور الشقوق يقال فطر ناب البعير أي شق اللحم وظهر وقرىء: تفاوت وتفوت والحملة من قوله هل ترى من فطور في موضع نصب بفعل معلق محذوف أي فانظر هل ترى أو ضمن فارجع البصر معنى فانظر ببصرك هل ترى فيكون معلقاً.﴿ ثُمَّ ارجِعِ ﴾ أي رددّه.﴿ كَرَّتَيْنِ ﴾ هي تثنية لأشفع الواحد بل يراد به التكرار كأنه قال: كرة بعد كرة أي كرات كثيرة.﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ أي كليل.﴿ ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا ﴾ هي التي نشاهدها.﴿ بِمَصَٰبِيحَ ﴾ أي بنجوم مضيئة.﴿ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً ﴾ أي جعلنا منها لأن السماء ذاتها ليست الرجوم والظاهر عوده على مصابيح ونسب الرجم إليها لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها والكوكب باب في فلكه على حاله فالشهاب كقبس يؤخذ من نار والنار باقية لا تنقص والظاهر أن الشياطين هم مسترقو السمع وان الرجم هو حقيقة يرمون بالشهب كما تقدم في الحجر وغيرها والضمير في لهم عائد على الشياطين. وقرىء:﴿ عَذَابَ ﴾ بالرفع مبتدأ خبره في الجار والمجرور قبله وبالنصب على إضمار أعتدنا.﴿ إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا ﴾ أي طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به ومثله حطب جهنم.﴿ سَمِعُواْ لَهَا ﴾ أي لجهنم.﴿ شَهِيقاً ﴾ أي صوتاً منكراً كصوت الحمار تصوت مثل ذلك لشدة توقعوها وغليانها ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي سمعوا لأهلها كما قال تعالى:﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾[هود: ١٠٦].
﴿ وَهِيَ تَفُورُ ﴾ تغلي بهم على المرجل.﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ ﴾ أي ينفصل بعضها من بعض لشدة اضطرابها.﴿ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ﴾ أي فريق من الكفار.﴿ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ ﴾ سؤال توبيخ وتقريع وهو مما يزيدهم عذاباً إلى عذابهم وخزنتها مالك وأعوانه.﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾ ينذركم بهذا اليوم.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ ﴾ إعتراف بمجيء النذر إليهم والظاهر أن قوله إن أنتم من قول الكفار للرسل الذين جاؤوا نذراً لهم أنكروا أولاً أن الله تعالى نزل شيئاً واستجهلوا ثانياً من أخبر أنه تعالى أرسل إليهم الرسل وإن قاتل ذلك في حيرة عظيمة فإِن كان الخطاب في إن أنتم للرسل فنذير أريد به الجنس ولذلك جاء الخطاب بالجمع.﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي الخزنة حين حاوروهم.﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ ﴾ سماع طالب للحق.﴿ أَوْ نَعْقِلُ ﴾ عقل متأمل له لم نستوجب الخلود في النار.﴿ فَٱعْتَرَفُواْ ﴾ حين لم ينتفعوا بالاعتراف.﴿ بِذَنبِهِمْ ﴾ أي بتكذيب الرسل.﴿ فَسُحْقاً ﴾ أي فبعداً لهم وهو دعاء عليهم والسحق البعد وانتصابه على المصدر أي سحقهم الله سحقاً.﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ ﴾ خطاب لجميع الخلق قال ابن عباس: ان بعض المشركين قالوا لبعض أسروا قولكم لا يسمعكم إلٰه محمداً.﴿ أَلاَ يَعْلَمُ ﴾ الهمزة للإِستفهام ولا للنفي والظاهر أن من مفعول والمعنى أينتفي علمه بمن خلق وهو الذي لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها.﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ﴾ منة منه تعالى بذلك والذلول فعول للمبالغة.﴿ فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ أمر بالتصرف فيها والاكتساب ومناكبها قال ابن عباس هي الجبال.﴿ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴾ أي البعث فيسألكم عن شكر هذه النعم.