﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ ﴾ الآية هذه السورة مكية وقيل غير ذلك ومناسبتها لما قبلها ظاهرة وهل حرف استفهام فإِن دخل على الجملة الإِسمية لم يمكن تأويله بقد لأن قدمن خواص الفعل وإن دخلت على الفعل فالأكثر أن تأتي للاستفهام المحض والإِنسان هنا جنس بني آدم والحين الذي مر عليه أما حين عدمه أو حين كونه نطفة وانتقاله من رتبة إلى رتبة حتى حين إمكان خطابه فإِنه في تلك المدة لا ذكر له وسمي إنساناً باعتبار ما صار إليه.﴿ إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾ هو جنس بني آدم عليه السلام لم يخلق ﴿ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ﴾ أخلاط وهو وصف للنطفة قال ابن عباس: هو ماء الرجل وماء المرأة اختلطا في الرحم فخلق الإِنسان منهما.﴿ نَّبْتَلِيهِ ﴾ نختبره في الدنيا بالتكليف وامتن تعالى عليه بجعله بهاتين الصفتين وهما كناية عن التمييز والفهم ولما جعله بهذه المثابة أخبر تعالى أنه هداه السبيل أي أرشده إلى الطريق وعرفه مثال طريق النجاة ومثال طريق الهلاك وانتصب شاكراً وكفوراً على الحال من ضمير النصب في هديناه ولما ذكر الفريقين اتبعهما الوعد والوعيد.﴿ مِن كَأْسٍ ﴾ من لابتداء الغاية.﴿ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ يمزج بالكافور ويختم بالمسك. وعينا بدل من كافوراً، وعباد الله هنا هم المؤمنون.﴿ يُفَجِّرُونَهَا ﴾ أي يثقبونها بعود قصب ونحوه حيث شاؤوا فهي تجري عند كل واحد منهم هكذا ورد في الأثر.﴿ يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ ﴾ المراد بالنذر ظاهر اما هو المعهود في الشريعة أنه نذر.﴿ عَلَىٰ حُبِّهِ ﴾ أي على حب الطعام إذ هو محبوب للفاقة والحاجة قاله ابن عباس.﴿ مِسْكِيناً ﴾ وهو الطواف المنكسر في السؤال.﴿ وَيَتِيماً ﴾ هو الصبي الذي لا أب له.﴿ وَأَسِيراً ﴾ الأسير معروف وهو من الكفار.﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ ﴾ هو على إضمار القول.﴿ جَزَآءً ﴾ أي بالأفعال.﴿ وَلاَ شُكُوراً ﴾ أي ثناء بالأقوال.﴿ يَوْماً عَبُوساً ﴾ نسبة العبوس إلى اليوم مجاز قال ابن عباس يعبس الكافر يومين حتى يسيل من بين عينيه عرق كالقطران.﴿ قَمْطَرِيراً ﴾ أي شديداً يقال يوم قمطرير أي شديد العبوسة واقمطر فهو مقمطر إذا كان صعباً شديداً.﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً ﴾ بدل عبوس الكافر.﴿ وَسُرُوراً ﴾ فرحاً بدل حزنه.﴿ جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾ أي بستاناً فيه كل مأكل هنيء.﴿ وَحَرِيراً ﴾ فيه ملبس بهي وناسب ذكر الحرير مع الجنة لأنهم أوثروا على صبرهم على الجوع والعرى.﴿ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا ﴾ أي في الجنة.﴿ شَمْساً ﴾ أي حر شمس ولا شدة برد أي لا شمس فيها فترى. فيؤذي حرها ولا زمهرير يرى فيؤذي بشدته أي هي معتدلة الهواء وفي الحديث" هواء الجنة سجسج لا حر ولا قر ".﴿ مُّتَّكِئِينَ ﴾ منصوب على الحال والعامل فيه جزاهم ولا يرون حال ثانية، ودانية حال ثالثة وظلالها فاعل بدانية.﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا ﴾ قال مجاهد: إن الإِنسان قائماً تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعداً أو مضطجعاً فكذلك فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك.﴿ وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ ﴾ الآية لما وصف تعالى طعامهم وسكناهم وهيئة جلوسهم ذكر شرابهم وقدم ذكر الآنية التي يسقون منها والآنية جمع إناء. القارورة إناء رقيق صاف توضع فيه الأشربة وتكون من زجاج وقرىء قوارير بتنوينهما ويمنع صرفهما بصرف الأول ومنع الصرف في الثاني وكذلك في سلاسل والأصل ان لا يصرف لأنه جمع متناه وصرف للمناسبة إذ بعد سلاسل قوله أغلالا وقبل هذين وبعدهما مصروفات.﴿ عَيْناً ﴾ بدلاً من زنجبيلاً وسلسبيل اسمها والسلسبيل والسلسل والسلسال ما كان من الشراب غاية في السلاسة وتقدّم شرح مخلدون وتشبيه الولدان باللؤلؤ المنثور في بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في المساكن في خدمة أهل الجنة يجيئون ويذهبون وجواب إذا رأيت رأيت نعيماً ومفعول فعل الشرط محذوف حذف اقتصاراً والمعنى وإذا رأيت ببصرك هناك وثم ظرف العامل فيه رأيت وقيل التقدير وإذا رأيت ما ثم فحذف كما حذف في قوله:﴿ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾[الأنعام: ٩٤] أي ما بينكم. وقرىء: خضر واستبرق برفعهما فخضر صفة لقوله ثياب واستبرق معطوف على ثياب وقرىء: بجرها فحضر صفة لسندس وسندس اسم جنس وصف بالجمع واستبرق معطوف على خضر على حذف مضاف تقديره وثياب استبرق والهمزة فيه للقطع والاستبرق تقدم شرحه.﴿ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ وفي موضع آخر من ذهب أي يحلون منهما على التعاقب أو على الجمع بينهما كما يقع للنساء في الدنيا.﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ طهورا صفة مبالغة في الطهارة وهي فعل لازم وطهارتها لكونها لم يؤمر باجتنابها وليست كخمر الدنيا التي هي في الشرع رجس.﴿ كَانَ لَكُمْ جَزَآءً ﴾ أي لأعمالكم الصالحة.﴿ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ أي مقبولاً مثاباً لقد شكر الله سعياً قليلاً ولما ذكر أولاً حال الإِنسان وقسمه إلى العاصي والطائع وأمعن فيما وعده الله تعالى للطائع ذكر ما شرف به نبيه وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال:﴿ إِنَّا نَحْنُ ﴾ الآية وأمره بالصبر لحكمه وجاء التوكيد بنحن بعد التوكيد بأن المضمون الخبر ومدلول المخبر عنه وأكد الفعل بالمصدر.﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ قال قتادة نزلت في أبي جهل قال: ان رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه فأنزل الله تعالى هذه الآية والنهي عن طاعة كل واحد أبلغ عن النهي عن طاعتهما لأنه يستلزم النهي عن أحدهما ولو قال لا تضرب زيداً وعمراً لجاز أن يكون نهياً عن ضربهما جميعاً لا عن ضرب أحدهما والكفور وإن كان إثماً فإِن فيه مبالغة في الكفر ولما كان من يوصف بالكفور مبايناً للموصوف بمجرد الإِثم صلح التغاير فحسن العطف وقيل الإِثم عتبة والكفور الوليد لأن عتبة كان ركاباً للإِثم متعاطياً لأنواع الفسوق وكان الوليد غالياً في الكفر شديد الشكيمة في العتو.﴿ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً ﴾ يعني صلاة الصبح.﴿ وَأَصِيلاً ﴾ الظهر والعصر.﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ ﴾ المغرب والعشاء.﴿ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ إشارة إلى الكفرة.﴿ يُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ ﴾ يؤثرونها على الآخرة.﴿ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ ﴾ أي أمامهم وهو ما يستقبلون من الزمان.﴿ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾ استعير الثقل لليوم لشدته وهوله من ثقل الجرم الذي يتعب به حامله.﴿ وَإِذَا شِئْنَا ﴾ أي تبديل أمثالهم باهلاكهم.﴿ بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ ﴾ ممن يطيع.﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ ﴾ أي السورة أو آيات القرآن أو جملة الشريعة ليس على جهة التحذير من اتخاذ غير سبيل الله.﴿ وَمَا تَشَآءُونَ ﴾ مذهب أهل السنة أنه نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في أنفسهم.﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ وهم المؤمنون.﴿ وَٱلظَّالِمِينَ ﴾ منصوب بإِضمار فعلى يفسره معنى ما بعده تقدير ويعذب الظالمين.