﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴾ الآية هذه السورة مكية وقيل مدنية وسبب نزولها أنه كان بالمدينة رجل يكنى أبا جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص فنزلت والمناسبة بين السورتين ظاهرة لما ذكر السعداء والأشقياء ويوم الجزاء من شأنه ذكر ما أعد لبعض العصاة وذكر بأخس ما يقع من المعصية وهي التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئاً في تثمير المال وتنميته.﴿ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ قبضوا منهم.﴿ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ ﴾ أقبضوهم وكال ووزن مما يتعدى بحرف الجر فتقول كلت لك ووزنت لك.﴿ أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ توقيف على أمر القيامة وإنكارهم عليهم في فعلهم ذلك.﴿ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ وهو يوم القيامة ويوم ظرف العامل فيه مقدر أي يبعثون يوم يقوم الناس ويجوز أن يعمل فيه مبعوثون ويكون معنى ليوم أي لحساب يوم ووصفه برب العالمين دليل على عظم هذا الذنب وهو التطفيف.﴿ كَلاَّ ﴾ ردع لما كانوا فيه من التطفيف وهذا القيام يختلف الناس فيه بحسب أحوالهم وفي هذا القيام الجام الناس بالعرق وأحوالهم فيه مختلفة كما ورد في الحديث والفجار الكفار. وكتابهم هو الذي فيه تحصيل أعمالهم، وسجين قال الجمهور: فعيل من السجن كسكير أي في موضع ساجن فجاءت بناء مبالغة فسجين على هذا صفة لموضع المحذوف والظاهر أن سجيناً هو كتاب ولذلك أبدل منه كتاب مرقوم.﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴾ أي ليس ذلك مما كنت تعلمه.﴿ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴾ أي مثبت بالرقم لا يبلى ولا يمحى.﴿ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ ﴾ صفة ذم.﴿ كُلُّ مُعْتَدٍ ﴾ متجاوز الحد.﴿ أَثِيمٍ ﴾ صفة مبالغة.﴿ إِذَا تُتْلَىٰ ﴾ قيل نزلت في النضر بن الحٰرث.﴿ بَلْ رَانَ ﴾ رأى وغشى كالصد إذ يغشى السيف وقال الشاعر: وكم ران من ذنب على قلب فاجر فتاب من الذنب الذي ران فانجلاوالضمير في قوله: انهم الكفار فمن قال بالرؤية وهو قول أهل السنة قال ان هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه واحتج بهذه الآية مالك رحمه الله على مسألة الرؤية.﴿ ثُمَّ يُقَالُ ﴾ أي يقول لهم خزنة النار.﴿ هَـٰذَا ﴾ أي العذاب وصلى النار أو هذا اليوم.﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾.
﴿ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ لما ذكر أمر كتاب الفجار عقبه بذكر كتاب ضدهم ليتبين الفرق.﴿ عِلِّيُّونَ ﴾ جمع واحده على مشتق من العلو وهو للمبالغة وعليون الملائكة وإعراب لفي عليين وكتاب مرقوم كإِعراب لفي سجين والمقربون هنا قال ابن عباس وغيرهم هم الملائكة أهل كل سماء ينظرون إلى ما أعد لهم من الكرامات وقرىء تعرف بتاء الخطاب للرسول عليه السلام والنضرة تقدم شرحها في قوله نضرة وسروراً.﴿ مَّخْتُومٍ ﴾ الظاهر أن الرحيق ختم عليه تهمما وتنظفاً بالرائحة المسكية كما فسره ما بعده.﴿ خِتَامُهُ ﴾ أي خلطه ومزاجه قاله ابن عباس:﴿ مِن تَسْنِيمٍ ﴾ قال ابن عباس هو أشرف شراب الجنة وهو إسم مذكر لماء عين في الجنة.﴿ يَشْرَبُ بِهَا ﴾ أي يشربها أو منها روي أن علياً كرم الله وجهه وجماعة من المؤمنين مروا بجمع من كفار مكة فضحكوا منهم واستخفوا بهم عبثاً فنزلت ان الذين أجرموا قبل أن يصل علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار مكة هؤلاء قيل أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والمؤمنون عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين والضمير في رأوهم على المجرمين إذ إذا رأوا المؤمنين ينسبونهم إلى الضلال.﴿ وَمَآ أُرْسِلُواْ ﴾ على المؤمنين حفظة يحفظون عليهم أحوالهم ولما تقدم ذكر يوم القيامة قيل:﴿ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ واليوم منصوب بيضحكون أي إن كان قد ضحك الكفار من المؤمنين في وقت مّا في الدنيا فالمؤمنون يضحكون منهم في الآخرة وينظرون حال من الضمير في يضحكون أي يضحكون ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والعذاب بعد العزة والنعيم. وقال كعب: لأهل الجنة كوى ينظرون منها إلى أهل النار.﴿ هَلْ ثُوِّبَ ﴾ أي هل جوزي يقال ثوبه وأثابه إذا جاز قال الشاعر: سأجزيك أو يجزيك عني مثوب وحسبك أن يثنى عليك وتحمدوهو استفهام بمعنى التقرير للمؤمنين أي هل جوزوا بأفعالهم السيئة أي قد جوزوا بها وفي قوله: ما كانوا حذف تقديره جزاء أو عقاب ما كانوا يفعلون.