﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ ﴾ هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر أنه أعلم بما يجمعون للرسول والمؤمنين من المكر والخداع وإذاية من أسلم بأنواع من الأذى كالضرب والقتل والصلب والحرق بإِحماء الصخر بالشمس ووضع أجساد من يريدون أن يفتنوه عليه ذكر أن هذه الشنشنة كانت فيمن تقدّم من الأمم يعذبون بالنار وأن أولئك الذين أعرضوا على النار كان لهم من الثبات في الإِيمان ما منعهم أن يرجعوا عن دينهم أو يحرفوا وان أولئك الذين عذبوا عباد الله ملعونون فكذلك الذين عذبوا المؤمنين من كفار قريش ملعونون فهذه السورة عظة لقريش وتثبيت لمن يعذب. ذات البروج قال ابن عباس هي المنازل التي عرفتها العرب وهي اثنا عشر على ما قسمته وهي التي تقطعها الشمس في سنة والقمر في ثمانية وعشرين يوماً.﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾ هي يوم القيامة أي الموعود به.﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ هذان منكران وينبغي حملهما على العموم كقوله:﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ﴾[التكوير: ١٤] وجواب القسم قيل محذوف وقيل انبعثن ونحوه وقيل وهذا الذي نختاره وحذفت اللام أي لقتل وحسن حذفها كما حسن في قوله:﴿ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾[الشمس: ١] ثم قال:﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾[الشمس: ٩] أي لقد أفلح ويكون الجواب دليلاً على لعنة من فعل ذلك وطرده من رحمة الله تعالى وتنبيهاً لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين وذكر المفسرون في أصحاب الأخدود أقوالاً كثيرة ومضمنها أن ناساً من الكفار خدوا أخدوداً في الأرض وسجروه ناراً وعرضوا المؤمنين عليها فمن رجع عن دينه تركوه ومن أصر على الإِيمان أحرقوه وأصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين وقال الربيع وأبو العالية بعث الله على المؤمنين ريحاً فقبضت أرواحهم وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود.﴿ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ وعيد لهم أي أنه علم ما فعلوا فهو مجازيهم والظاهر أن الذين فتنوا عام في كل من ابتلى المؤمنين والمؤمنات بتعذيب وأذى وأن لهم عذابين عذاباً لكفرهم وعذاباً لفتنتهم.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ المراد به العموم لا المطروحون في النار والبطش الأخذ بقوة.﴿ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ ﴾ قال ابن عباس: عام في جميع الأشياء أي كل ما يبدأ وكل ما يعاد ولما ذكر شدة بطشه ذكر كونه غفورا ساتر الذنوب عباده ودوداً لطيفاً بهم محسناً إليهم وهاتان صفتا فعل والودود مبالغة في الواد.﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ﴾ خصص العرش بإِضافته إلى نفسه تشريفاً للعرش وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات وقرىء المجيد بالضم صفة لذو وبالخفض صفة للعرش.﴿ هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ ﴾ تقرير لحال الكفرة أي قد أتاك حديثهم وما جرى لهم مع أنبيائهم وما حل بهم من العقوبات بسبب تكذيبهم فكذلك يحل بقريش من العذاب مثل ما حل بهم والجنود الجموع المعدة للقتال.﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ بدل من الجنود وكأنه على حذف مضاف أي جنود فرعون.﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي من قومك.﴿ فِي تَكْذِيبٍ ﴾ حسداً لك لم يعتبروا بما جرى لمن قبلهم حين كذبوا أنبياءهم.﴿ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾ أي هو قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون وثمود ومن كان محاطاً به فهو محصور في غاية لا يستطيع دفعاً والمعنى دنو هلاكهم ولما ذكر أنهم في تكذيب وأن التكذيب عمهم حتى صار كالوعاء وكانوا قد كذبوه صلى الله عليه وسلم وكذبوا ما جاء به وهو القرآن أخبر تعالى عن الذي جاء به وكذبوا به فقالوا:﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾ أي بل الذي كذبوا به قرآن مجيد ومجادته شرفه على سائر الكتب بإِعجازه في نظمه وصحة معانيه وإخباره بالمغيبات وغير ذلك من محاسنه وقرىء مجيد صفة لقرآن ومحفوظ صفة للوح كما قال تعالى:﴿ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر: ٩] أي هو محفوظ في القلوب لا يلحقه خطأ ولا تبديل.