﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ هذه السورة مكية وصدرها أول ما نزل من القرآن وذلك في غار حراء على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ولما ذكر تعالى فيما قبلها خلق الإِنسان في أحسن تقويم ثم ذكر ما عرض له بعد ذلك هنا منبهاً على شىء من أطواره وذكر نعمته عليه ثم ذكر طغيانه بعد ذلك وما يؤول إليه حاله في الآخرة والظاهر تعلق الباء بإِقرأ وتكون للاستعانة ومفعول إقرأ محذوف تقديره ما يوحى إليك والإِنسان هنا إسم جنس والعلق جمع علقة فلذلك جاء من علق وإنما ذكر من خلق من علق لأنهم مقرون به ثم جاء الأمر ثانياً تأنيساً له كأنه قيل إمض لما أمرت به وربك ليس كهذه الأرباب بل هو الأكرم الذي لم يلحقه نقص والأكرم صفة تدل على المبالغة في الكرم.﴿ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ ﴾ دليل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ولا دونت العلوم ولا قيدت الحكم إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدنيا والدين.﴿ كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴾ نزلت بعد مدة في أبي جهل ناصب رسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة ونهاه عن الصلاة في المسجد. وروي أنه قال: لئن رأيت محمداً يسجد عند الكعبة لأطأن على عنقه فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ عليه وانتهره وتوعده فقال أبو جهل: أيتوعدني محمد والله ما بالوادي أعظم نادياً مني أي مجلساً وقيل انه هم أن يمنعه من الصلاة فكف عنه كلا ردع لمن كفر بنعم الله عليه بطغيانه وإن لم يتقدم ذكره لدلالة الكلام عليه إن الإِنسان ليطغى أي ليتجاوز الحد.﴿ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ ﴾ الفاعل ضمير الإِنسان وضمير المفعول عائد عليه أيضاً ورأى هنا من رؤية القلب ويجوز أن يتحد فيها الضميران متصلين فتقول رأيتني صديقك وكذلك فقد وعدم بخلاف غيرها فلا يجوز زيد ضربه وهما ضميرا زيد.﴿ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ ﴾ أي الرجوع مصدر على وزن فعلى الألف فيه للتأنيث وفيه وعيد للطاغي المستغني وتحقير لما هو فيه حيث مآله إلى البعث ويحاسب والجزاء على طغيانه.﴿ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ ﴾ تقدم أنه أبو جهل والخطاب في أرأيت الظاهر أنه للرسول عليه السلام وكذا أرأيت الثاني والثالث والتناسق في الضمائر الذي يقتضيه النظم وقيل أرأيت الثاني خطاب للكافر التفت إلى الكافر فقال أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى ودعاء إلى الله تعالى وأمر بالتقوى أنهاه مع ذلك والضمير في إن كان وفي إن كذب عائد على الناهي.﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴾ ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب ذلك وهذا وعيد.﴿ كَلاَّ ﴾ ردع لأبي جهل ومن في طبقته عن نهي عباد الله عن عبادة الله تعالى.﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ ﴾ أي عن ما هو فيه وعيد شديد.﴿ لَنَسْفَعاً ﴾ أي لنأخذن.﴿ بِٱلنَّاصِيَةِ ﴾ وعبر بها عن جميع الشخص أي سحبا إلى النار كقوله:﴿ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ ﴾[الرحمن: ٤١] واكتفى بتعريف العهد عن الإِضافة إذ علم أنها ناصية الناهي.﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ إشارة إلى قول أبي جهل ما بالوادي أكثر نادياً مني والمراد أهل النادي وقرىء سيدعى مبنياً للمفعول الزبانية رفع.﴿ كَلاَّ ﴾ ردع لأبي جهل ورد عليه.﴿ لاَ تُطِعْهُ ﴾ أي لا تلتفت إلى نهيه وكلامه.﴿ وَٱسْجُدْ ﴾ أمر له بالسجود والمعنى دم على صلاتك وعبر عن الصلاة بأفضل الأوصاف التي يكون العبد فيها أقرب إلى الله تعالى.﴿ وَٱقْتَرِب ﴾ وتقرب إلى ربك وثبت في الصحيحين سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت وفي هذه السورة وهي من العزائم عند علي رضي الله عنه وكان مالك يسجد فيهما في خاصة نفسه.