﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ ﴾ الآية هذه السورة مكية وذكروا من أسباب نزولها أنهم قالوا له عليه السلام دع ما أنت عليه ونحن نمولك ونزوجك من شئت من كرائمنا ونملكك علينا وإن لم تفعل هذا فلتعبد آلهتنا ونعبد إلٰهك حتى نشترك فحيث كان الخير نلناه جميعاً ولما كان أكبر شانئيه قريشاً وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلٰهه سنة أنزل الله تعالى هذه السورة تبرئاً منهم واخباراً لا شك فيه وأن ذلك لا يكون أبداً وفي قوله قل دليل على أنه مأمور بذلك من عند الله تعالى وخطابه لهم بيا أيها الكافرون في ناديهم ومكان بسطة أيديهم مع ما في الوصف من الأرذال لهم دليل على أنه محروس من عند الله تعالى لا يبالي بهم والكافرون ناس مخصوصون وهم الذين قالوا له تلك المقالة الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية وأبي ابنا خلف وأبو جهل وابنا الحجاج ونظراؤهم ممن لم يسلم ووافى على الكفر تصديقاً للاخبار في قوله ولا أنتم عابدون ما أعبد وللمفسرين في هذه الجملة أقول أحدهما انها للتوكيد فقوله: ولا أنا عابد ما عبدتم توكيد لقوله: لا أعبد ما تعبدون وقوله: ولا أنتم عابدون ما أعبد ثانياً توكيد لقوله: ولا أنتم عابدون ما أعبد أولاً والتوكيد في لسان العرب كثير جداً وفائدة هذا التوكيد قطع إجماع الكفار وتحقيق الاخبار بموافاتهم على الكفر وأنهم لا يسلمون أبداً والثاني أنه ليس للتوكيد واختلفوا فقال الأخفش: المعنى لا أعبد الساعة ما تعبدون ولا أنتم عابدون الساعة ما أعبد ولا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد فزال التوكيد إذ قد تقيدت كل جملة بزمان مغاير وقال أبو مسلم: ما في الأولين بمعنى الذي والمقصود المعبود وما في الآخريين مصدرية أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين وقال ابن عطية: لما كان قوله: ﴿ لاَ أَعْبُدُ ﴾ أن يراد به الآن لا يبقى المستأنف منتظراً ما يكون فيه جاء البيان بقوله: ﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ أي أبداً وما حييت ثم جاء قوله: ﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ الثاني حتماً عليهم لا يؤمنون به أبداً كالذي كشف الغيب فهذا كما قيل لنوح عليه السلام لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن إما أن هذا في معنيين وقوم نوح عموا بذلك فهذا المعنى الترديد الذي في السورة وهو بارع الفصاحة وليس بتكرار فقط بل فيه ما ذكرته " انتهى ".﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذا غاية في التبري ولما كان الأهم انتفاءه عليه السلام من دينهم بدأ بالنفي في الجمل السابقة المنسوب إليه ولما تحقق النفي رجع إلى خطابهم في قوله: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ على سبيل المهادنة وهي منسوخة بآية السيف.


الصفحة التالية
Icon