لما ختم السورة التي هيَ أُم القُرْآن المشتملة على مطالبه مُجْمَلاً، أخذ في تفصيلها مبيناً أن ذلك الكتاب الذي عرفته مجملاً لا ريب فيه أَصْلاً فقال:﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴾﴿ الۤـمۤ ﴾ هذا وأمثالُهُ سِرٌّ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ حبيبه، أو استأئره الله بعلمه، وتكليفنا بالتكلم بما لا نفهمه كتكليفنا بعَمَلٍ لا نعرف حكمته اختياراً لانقيادنا. وعَنْ ابن عباس -رضي الله عنه- أنها إشارة إلى: أنا الله أعلم. وهكذا قالوا في﴿ الۤمۤصۤ ﴾[الأعراف: ١] أنا الله أعلم وأفصل﴿ الۤر ﴾[يونس: ١] أنا الله أرى، و﴿ الۤمۤر ﴾[الرعد: ١] أنا الله أعلم وأرى،﴿ كۤهيعۤصۤ ﴾[مريم: ١] كَافٍ هَادٍ رَحِيمٌ عَلِيْمٌ صَادِقٌ﴿ طه ﴾[طه: ١] طاهرٌ هادٍ، و﴿ طسۤمۤ ﴾[الشعراء: ١] طَوْلُهُ وسناؤه وملكه و﴿ صۤ ﴾[ص: ١] صمد، و﴿ حـمۤ ﴾[غافر: ١] حكيم ملك، و﴿ حـمۤ عۤسۤقۤ ﴾[الشورى: ١-٢]، حلمه مجده، سناؤه وقدرته و﴿ قۤ ﴾[ق: ١]، قدير، و﴿ الۤر ﴾[يونس: ١] و﴿ حـمۤ ﴾[الشورى: ١] إشارة إلى الرحمن. ولعلهم عنوا به أنها منبع الأسماء ومبادئ الخطاب، ومثلوها بأمثلة حسنة. [وكذا ورد عنهم هذا أيضاً].
*ومن عجائب ما رُوْعِيَ فيها أنَّها كُلّها نِصْفَ الحروف المعجمة مشتملاً على أنصاف جميع أنواع الحروف، وما لم يكن له نصف صحيح أتى بالنصف الأقل منهما فيما هو قليل الاستعمال وبالأكثر منهما فيما هو كثير الاستعمال كما بُيِّنَ في المطولات. [ونّبَّه بذكرها مفرده وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية على أن أصول الكتاب كأصول كلامهم كذلك، وبذكر ثلاث مفردات في ثَلَاثِ صُوَرٍ على وُجُدِها في الأقسام الثلاثةَ للكلمة، وبِذِكْرِ أربع ثنائيات عَلَى كَوْنها أربعة أقسامٍ بلا حذف في الحرف، وبه في الفعل وبه وبدونه في الاسم وبتخصيصها بتسع صُوَرٍ على وقوعها في أقسام الكلمة على ثلاثة أوجه كمن، إن ذو، وقل، بع، وإن من مذ الجارة، وبذكر ثلاث ثلاثيات على وقوعها في الأقسام الثلاثة وتخصيصها بثلاث عشرة سورة على أن أصول أبنية الثلاثي ثلاثة عشر، عشرة، وثلاثة للفعل، وبذكر رباعيين وخماسيين على أن لكل منهما أصلاً وملحقاً -والله أعلم].