لمَّا بيّنَ كمال قدرته بين تفرده بالألوهية فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَ ﴾: الملائكة ﴿ ٱلصَّافَّاتِ ﴾: في مقام العبادة ﴿ صَفَّا * فَٱلزَّاجِرَاتِ ﴾: للعلويات والسفليات بالتدبير أو للناس عن المعاصي ﴿ زَجْراً * فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً ﴾: نزل على الرسل، والعطف لاختلاف الذوات أو الصفات، والفاء لترتيب الوجود أو الرتبة ﴿ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: ومن جملته أفعال العباد ﴿ وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ ﴾: للكواكب أو للشمس، إذ لها كل يوم من السنة مشرق، وترك المغارب لأن اختلافها بحبسها، على أن الشروق أبلغ في النعمة ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا ﴾: القربى منكم ﴿ بِزِينَةٍ ﴾: أي: تزيين ﴿ ٱلْكَوَاكِبِ ﴾: وبقطع الإضافة مجروراً بدل من " زينة " ومنصوبا مفعولا لها وتخصيصها لؤرية الكواكب منها ﴿ وَ ﴾: حفظناها ﴿ حِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴾: خارج عن الطاعة ﴿ لاَّ يَسَّمَّعُونَ ﴾: يصغون ﴿ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾: ملائكة السماء ﴿ وَيُقْذَفُونَ ﴾: يرمون ﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾: من آفاق السماء إذا صعدوا للاستراق ﴿ دُحُوراً ﴾: طردا أو مطرودين ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ ﴾: دائم في الآخرة ﴿ إِلاَّ ﴾: استثناء من ضمير يسمعون ﴿ مَنْ خَطِفَ ﴾: اختلس كلامهم ﴿ ٱلْخَطْفَةَ ﴾: الواحدة وللمرة ﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ﴾: هو ما يرى كان كوكبا انقض ﴿ ثَاقِبٌ ﴾: يثقه ويحرقه، وهل يتأذى فيرجع، أو يحترق؟ قولان، وقد يصيبه وقد لا يصيبه، ولذا يرتدعون رأسا وكونه من النار لا ينافى احتراقه بها لأنه ليس من صرفها، كما أنا لسنا من صرف الطين، على أن النار الضعيفة تهلك بالقوية والمراد بانقطاعه بولادة نبينا صلى الله عليه وسلم انقطاع كثرته به، وكونه من الأبخرة تخمين ويمكن أن يكون إسناده إلى السماء لأنه يرى من جهتها وسيأتي نظيره في الملك ﴿ فَٱسْتَفْتِهِمْ ﴾: استخبر المشركين ﴿ أَهُمْ أَشَدُّ ﴾: أصعب ﴿ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ﴾: مما ذكر من الملك والسماء ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم ﴾: أي: أصلهم ﴿ مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ ﴾: أي: لاصق باليد، فكيف يتكبرون على عبادتنا؟ ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾: من تكذيبهم إياك ﴿ وَ ﴾: هم ﴿ يَسْخَرُونَ ﴾: منك، من تعجبك وبضم التاء بمعنى الاستعظام اللازم له، إذ العجب: روعة ٌ تعتريك عند استعظامك شيئاً، والروعة سرور من خوف، وهو عليه تعالى محال، فمعناه: بلغ كمال قدرتي إلى أن استعظمته ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ ﴾: لا يتعظون ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً ﴾: كشقِّ القمر ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾: يبالغون في السخرية ﴿ وَقَالُوۤاْ إِن ﴾: ما ﴿ هَـٰذَآ ﴾: المؤتى ﴿ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾: وقالوا إنكاراً: ﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾: كرر الهمزة مبالغة في الإنكار أ نُبْعثُ ﴿ أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ ﴾: وبسكون الواو للترديد ﴿ قُلْ نَعَمْ ﴾: تبعثون ﴿ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾: ذليلون، إذا كان ذلك ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ ﴾: صيحة ﴿ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ ﴾: أحياء ﴿ يَنظُرُونَ ﴾: يبصرون ﴿ وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا ﴾: كما مر ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴾: الجزاء ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾: فيقال للملائكة: ﴿ ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾: أشباههم في عملهم ﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: من الاصنام ﴿ فَٱهْدُوهُمْ ﴾: تهكم، أي: سُوقوهم ﴿ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ ﴾: عند الصراط ﴿ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾: عن صنعيهم والواو لا توجب الترتيب، ويقال لهم توبيخا: ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ﴾: كما في الدنيا ﴿ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾: منقادون ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾: لائمين ﴿ يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ ﴾: لرؤسائهم: ﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾: أي: الحلف، بحلفكم أنكم على الحق أو عَنْ قِبلَ الخير كأنكم تهدوننا فلبستم علينا ﴿ قَالُواْ ﴾: جوابا: ﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾: في أنفسكم، فكيف أضللنا كم؟ ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾: تسلط ﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾: ضالين ﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا ﴾: جميعا ﴿ قَوْلُ رَبِّنَآ ﴾: بالعذاب بقوله:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ ﴾[الأعراف: ١٨] إلى آخره، فأحببنا أن تكونوا مثلنا ﴿ إِنَّا لَذَآئِقُونَ ﴾: عذابه كذلك ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾: بلا تكليف ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾: فأحببنا أن تكونوا مثلنا قال تعالى: ﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾: لغوايتهم ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ ﴾: المشركين ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾: في الدنيا ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾: عن قبولها ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوۤاْ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾: أي: محمد، قال تعالى: ﴿ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾: لتطابقهم على التوحيد ﴿ إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ﴾: مثل ﴿ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ ﴾: لكن ﴿ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾: عن الكفر لا يذوقون ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴾: خصائصه من نحو الدوام وتمحيض اللذة، فإن النفس إلى المعلوم أسكن ﴿ فَوَاكِهُ ﴾: بيان للرزق وهي ما يؤكل تلذذا لا تغذيا لحفظهم عن التحلل، فإنهم أبديون ﴿ وَهُم مُّكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾: لا يرى بعضهم قفا بعض ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ ﴾: بخمر أو إناء فيه خمر ﴿ مِّن مَّعِينٍ ﴾: نهر ظاهر للعيون ﴿ بَيْضَآءَ ﴾: بلا كدر ﴿ لَذَّةٍ ﴾: مبالغة أو تأنيث لذ، بمعنى لذيد ﴿ لِّلشَّارِبِينَ ﴾: لا كخمر الدنيا ﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾: إفساد ﴿ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾: بسكرون ﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ ﴾: أي: العين على أزواجهن ﴿ عِينٌ ﴾: جمع عيناء، واسعة العين ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ ﴾: في بياض ألوانهن مشربا بصفرة ﴿ مَّكْنُونٌ ﴾: مصون عن الغبار، وفي حديث:" أنَّ رقَّة جلدهنَّ كرقة قِشْرته السُّفْلى "﴿ فَأَقْبَلَ ﴾: الماضي للتأكيد ﴿ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾: عن المعارف، وما مر بهم ﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾: كافر ﴿ يَقُولُ ﴾: لي تقريعا: ﴿ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ ﴾: بالبعث ﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾: لمجزيون ﴿ قَالَ ﴾: هذا القائل لجلسائه ﴿ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ ﴾: إلى جهنم لأريكموه ﴿ فَٱطَّلَعَ ﴾: من بعض كوى الجنة ﴿ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ﴾: وسط ﴿ ٱلْجَحِيمِ * قَالَ ﴾: له شماتة ﴿ تَٱللَّهِ ﴾: أي: إنه ﴿ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴾: لتهلكني بالإغواء ﴿ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي ﴾: بالهداية ﴿ لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴾: معك فيها ﴿ أَ ﴾: نحن مخلدون ﴿ فَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾: استفهام تلذذ أو تقريع لقرينه ﴿ إِلاَّ ﴾: لكن ﴿ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ ﴾: كانت في الدنيا والقبر ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾: مثلكم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾: المذكور ﴿ لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ * أَذَلِكَ ﴾: المذكور ﴿ خَيْرٌ نُّزُلاً ﴾: ما يعد أولا للنازل فيدل على أن لهم أعظم منه ﴿ أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴾: شجرة ثمرتها نزل أهل النار، من تزقمه: تناول على كره


الصفحة التالية
Icon