لَمَّا بَيَّن في السُّورة حال المنافقين أتبعه بما يناسبه من تقسم خلقه إلى المؤمين والكفارين فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ ﴾: لا لغيره ﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ ﴾: مقدر كفره ﴿ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾: مقدر إيمانه ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: فيجازيكم عليه ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ﴾: بالحكمة ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾: وزينكم بصفوة أوصاف الكائنات ﴿ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾: للجزاء ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ﴾ أي: بما في ﴿ ٱلصُّدُورِ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾: يا قريش ﴿ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ ﴾: ضرر ﴿ أَمْرِهِمْ ﴾ أي: كفرهم في الدنيا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: في العقبى ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾: من المعجزات ﴿ فَقَالُوۤاْ ﴾ عناداً: ﴿ أَبَشَرٌ ﴾: جنسه ﴿ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ ﴾: أعرضوا عنهم بالكلية ﴿ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ ﴾: عن الكل فضلاً عن طاعاتهم ﴿ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ ﴾: مطلق ﴿ حَمِيدٌ ﴾: في ذاته وإن لم يحمد ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ ﴾: أي: ادعوا علمه ﴿ قُلْ بَلَىٰ ﴾: تبعثون ﴿ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾: بمجازاته ﴿ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ﴾: القرآن ﴿ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾: اذكر ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ﴾: جزاء ﴿ ٱلْجَمْعِ ﴾: وهو القيامة ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ ﴾: يغبن الكل حتى السعداء لتركه زيادة الخير ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ﴾: يومئذ ﴿ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ ﴾ جمع لمعنى " مَنْ " ﴿ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ * مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾ أي: بإرادته ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾: للثبات والاسترجاع عندما ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ ﴾: فلا عليه ﴿ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: فإنه يقتضي الإيمان به ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ ﴾: بعض ﴿ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾: يشْغلكم عن الطاعة ﴿ فَٱحْذَرُوهُمْ ﴾: أن تطيعونهم في تركها ﴿ وَإِن تَعْفُواْ ﴾: إساءتهم ﴿ وَتَصْفَحُواْ ﴾: تعرضوا عن لومهم ﴿ وَتَغْفِرُواْ ﴾: بسترها ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾: لكم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بكم، نزلت فيمن ثبطهم الأهل عن الهجرة، فلما هاجروا رأوا من هاجر قبلهم فقهاء فهموا بمعاقبة الأهل ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾: اختبار لكم، ولذا في الحديث: النهي عن الاستعاذة من الفتنة، بل إنما يستعاذ من مُضِلاّت الفتن ﴿ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾: لمن آثر محبته عليهم ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾ أي: جهدكم، وذلك فيما وقع بالندم مع العزم على ترك معاودته، وفيما لم يقع بالتحرز عن أسبابه، وقيل: هي ناسخة " حق تقاته " ﴿ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ ﴾: أمره ﴿ وَأَنْفِقُواْ ﴾: إنفاقا ﴿ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ ﴾: أي: في البر ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ ﴾: حرص ﴿ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ ﴾: بصرف مالكم فيما مر ﴿ قَرْضاً حَسَناً ﴾: بإخلاص، سَمّاهُ قَرْضاً لالتزامه تعالى أداء عوضه ﴿ يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ﴾: إلى سبعمائة وأكثر ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ ﴾: مجاز على الطاعة ﴿ حَلِيمٌ ﴾: لا يعاجل بعقوبة العاصي ﴿ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ﴾ ملكا ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: صُنْعاً.