لَمَّا قال: فلا يظهر على غيبه أحدا إلاَّ مَن ارتضى من رَسول، أعلم حبيبه بأنه رسوله المرتضى فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ ﴾: المتزمل المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي خوفا، سماه به وبالمدثر قبل تبليغه، وبالرسول والنبي بعده ﴿ قُمِ ﴾: إلى الصلاة ﴿ ٱلَّيلَ ﴾: كله ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ ﴾: بدل من قليلا، وقلته بالنسبة إلى كله، ونبه به على أن نصفا مغمرا بالذكر بمنزلة الكل، والآخر قليل بالنسبة إليه، وإن ساواه في الكم ﴿ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴾: يجعله نحو ثلث ﴿ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ ﴾: إلى ثلثيه ﴿ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ ﴾: بَيِّن وفَصِّ حروفه ﴿ تَرْتِيلاً ﴾: وسمع صلى الله عليه وسلمخ رجلاً كان يقرأ أويبكي فقال: هذا الترتيل ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾: راجا غير سخيف يعني القرآن، أو لما فيه من التكاليف الشاقة، كالأمر بقيام الليل ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ ﴾: أي: قيالم ﴿ ٱللَّيْلِ ﴾: أو ساعاته ﴿ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً ﴾: أي: كلفة وبالمد: أي: وفاقا بين القلب والحواس، أو السر والعلن ﴿ وَأَقْوَمُ ﴾: أثبت ﴿ قِيلاً ﴾: قَولاً، خصَّتها عائشة رضي الله عنها بما بعد النوم، وبعض بما بعد العشاء، وفسره علي بن الحسين بما بين العشاءين، وابن عباس وجماعة رضي الله عنهم بكل الليل ﴿ إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً ﴾: تقلبا في مهماتك، أو فراغا لها ﴿ طَوِيلاً ﴾: فتهجد في الليل ﴿ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾: دم عليه ﴿ وَتَبَتَّلْ ﴾ انقطع ﴿ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾: عما سواه، هو ﴿ رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾: فإن تفرده بالألوهية يقتضي ذلك ﴿ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ ﴾ قريش ﴿ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ﴾: بلا جزع، نسخ بالقتال ﴿ وَذَرْنِي ﴾: اتركني ﴿ وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ ﴾: صنادنين قريش ﴿ وَمَهِّلْهُمْ ﴾: زمانا ﴿ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً ﴾: قيوداً ثقالاً، أو أغْلالاً ﴿ وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾: أي شوك من النار يغص في حلقهم ﴿ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ ﴾: تضطرب ﴿ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً ﴾: رملا مجتمعا ﴿ مَّهِيلاً ﴾: منثورا أو سائلا ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ ﴾ يا قريش ﴿ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ ﴾: في القيامة بقولكم وامتناعكم ﴿ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾: موسى ﴿ فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾: ثقيلا شديدا ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ ﴾: دمتم على كفركم ﴿ يَوْماً ﴾: أي: عذاب يوم ﴿ يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ ﴾: لشدة هوله ﴿ شِيباً ﴾: جمع أشيب مجاز، وفي الحديث أنه حيث يقال لآدم:" ابعث من ذريتك بعثا إلى النار قال: من كم يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين "، وروي أن رجلا فاحم الشعر رأي القيام وأهوالها في النوم فأصبح أبيض الرأس واللحية ﴿ ٱلسَّمَآءُ ﴾: شيء ﴿ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾: متشقق لشدته ﴿ كَانَ وَعْدُهُ ﴾: أي: الموعود فيه ﴿ مَفْعُولاً * إِنَّ هَـٰذِهِ ﴾: الآليات ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ عظة ﴿ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾: بسلوك طاعته ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ ﴾: أقل ﴿ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾: كما أمرت ﴿ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ﴾: أصحابك ﴿ ٱلَّذِينَ مَعَكَ ﴾: إذْ علموا به حتى تورَّمت أقدامهم ﴿ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾: فيعلم عملكَ فيه ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾: أي: لن تطيقوا تقدير أوقاته لتقوموا بالواجب إذ كانوا يقومون كله احتياطاً ﴿ فَتَابَ ﴾: رجع ﴿ عَلَيْكُمْ ﴾: بالتخفيف، نسخَ به أول السورة ﴿ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ ﴾: في صلاة الليل بلا تحديد، وهوة ما يقرأ في صلاتي العشاءين، وقيل: يجب على حامله قيام الليل بشئ منه، والأصح أنه نسخ بالصلوات الخمس ﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ ﴾: لا يستطيعونه ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: يُسَافرون ﴿ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ﴾: كالتجار ﴿ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: استئناف بين حكمة أُخْرى للتخفيف، وكذا كرر بترتيب الحكم فقال: ﴿ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ ﴾: المفروضة ﴿ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾: بصدقة التطوع أو الإنفاق على الأهل ﴿ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ﴾: أي: أجره ﴿ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً ﴾: مما أعطيتم ﴿ وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾: أي: نفعاً ممَّا تُؤخرونه ﴿ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ ﴾: من فرطاتكم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: بالمستغفرين.