لَمَّا ذكر علمه بما يوعون من المكر والمعاصي، ذكر بعض من كان كذلك، وبين مآل كلهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ ﴾: الاثني عشر، شَبِّهَت بالقصور العالية لنزول السيارات والثوابت فيها، أو هي قصور فيها ﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ ﴾: القيامة ﴿ وَشَاهِدٍ ﴾: أي: يوم الجمعة ﴿ وَمَشْهُودٍ ﴾: أي: يوم عرفة، كذا روي مرفوعا، وتنكيرها للتعظيم وجوابه: لقد ﴿ قُتِلَ ﴾: أي: لعن ﴿ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ﴾: الشق العظيم في الأرض، روي أن ملكا كافرا أرسل غلامه إلى ساحرة ليعلمه السحر، فرأى في طريقه راهبا فمال إليه واتبعه إلى أن كان يبرئ الأكمه والأبرض، فعمي جليس الملك وأتاه فأبراه فقال للملك: ربي شفاني، فغضب وعذبه ليرتد، فدل على الغلام فعذبه، فدل على الراهب فقده بالمنشار، وأمر بطرح الغلام من ذروة الجبل، فدعا فرجب بمن كان معه فهلكوا ونجا، فأجلسه في سفينة ليغرقه، فدعا فغرق أهلها ونجا وقال للملك: أنت لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد وتصلبني في جذع وترمي إلي بسهم من كنانتي وتقول: بسم الله رب الغلام، ففعل فمات الغلام وآمن كل الناس برب الغلام، فغضب وأمر بأخاديد وأوقدت فيها النيران، وطرح من لم يرتد فيها، فصبروا، وتقاعست امرأة معها صبي فقال لها: يا أماه: اصبري فإنك على الحق، هذا حاصل معنى الحديث مختصرا ﴿ ٱلنَّارِ ﴾: بدل اشتمال من الأخدود ﴿ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ ﴾: صفة لعظمتها ﴿ إِذْ هُمْ ﴾: أي: الكفار ﴿ عَلَيْهَا ﴾: أي: على جوانبها ﴿ قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: من تعذيبهم ﴿ شُهُودٌ ﴾: حضور ولا يرحمون ﴿ وَمَا نَقَمُواْ ﴾: أي: أنكروا ﴿ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ﴾: الغالب ﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾: المحمود ﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ ﴾: عنه ﴿ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ ﴾: الزائد في الإحراق، إذ روي أن النار انقلبت على الملك وجنوده، وسلم المؤمنون، قاله الربع بن أنس والواحدي، والآية دلت على قبول توبة القاتل عمدا ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ ﴾: أي: أخذه بالعنف ﴿ لَشَدِيدٌ ﴾: أي: مضاعف عنفه ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ ﴾: الخلق أو بطشه لهم في الدنيا ﴿ وَيُعِيدُ ﴾: خلقه، أو بطشهم في الآخرة ﴿ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ ﴾: المحب لمطيعيه ﴿ ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ ﴾: العظيم ﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴾: بلا عجز ﴿ هَلُ ﴾: قد ﴿ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ ﴾: أعْني ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾: كيف كذبوا فأهلكوا فتسل واصبر ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: من قومكن ﴿ فِي تَكْذِيبٍ ﴾: للقرآن ﴿ وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ ﴾: لا يفوتونه كما لايفوت المُحاط المحيط ﴿ بَلْ هُوَ ﴾: أي: ما يكذبونه ﴿ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ﴾: عظيم في الشأن ﴿ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾: من وصول الشياطين، رُوي أن اللوح من درة بيضاء حافاتها ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور عرضه كما بين السماء والأرض، ينظر الله تعالى إليه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة ويحيى ويميت، ويعز ويذلك ويفعل ما يشاء.