وساق ذلك على وجه يعلمون به أنه الحق بما هتك من سرائرهم وكشف من ضمائرهم، فلما تم ذلك وكان المقصود منه الدعاء إلى الله انتهزت تلك الفلبرصة بقوله تعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) [البقرة: ٢١] لما أسس لها من الترغيب بالترهيب، ثم أقيم الدليل على حقية نظمه بتقصيرهم عن مدى سهمه، فرجع حاصل ذلك إلى إثباته بعجزهم عن معارضته في معناه بإيجاد من أخبر بنفيه وفي نظمه بالإتيان بمثله، فلما ثبت ذلك ثبت أنه من عند الله فثبت تأهله لتعليم الشرائع فجعلها ضمن مجادلة أهل الكتاب بما يعلمون حقيته بلا ارتياب من الدعاء إلى ما أخفوه من الدعائم الخمس التي بني عليها الإسلام
ولما كان معنى ﴿الم﴾ هذا كتاب من جنس حروفكم التي قد فقتم في التكلم بها سائر الخلق فما عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله إلا لأنه كلام الله أنتج ذلك كماله، فأشير إليه بأداة البعد ولام الكمال في قوله ﴿ذلك الكتاب﴾ لعلو مقدار بجلالة آثاره وبعد رتبته عن نيل المطرودين. ولما علم كماله أشار إلى تعظيمه بالتصريح بما ينتجه ويستلزمه ذلك التعظيم فقال ﴿لا ريب فيه﴾ أي في شيء من معناه ولا نظمه في