وتعالى بعد ذلك التأديب ورحمهم وطيب قلوبهم بهذه الآية بما فيها من التأمين صريحاً، وبما فيها من الإشارة بجمع جميع حروف المعجم فيها تلويحاً إلى أن أمرهم لا بد أن يتم كما تمت الحروف في هذه الآية. لكنه افتتحها بأداة التراخي إشارة إلى أنه لا يكون إلا بعد مدة مديدة حتى تصقل مرائي الصدور التي ختمها بها بخلاف ما في الآية الأخرى الجامعة للحروف في آخر سورة الفتح التي نزلت في الحديبية التي ساءهم رجوعهم منها دون وصولهم إلى قصدهم - كما يأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى.
ولما كان فيه مع ذلك معنى التعليل والتنبيه على أنه غني عن الاختبار، خبير بدقائق الأسرار أتبعه قوله مستأنفاً لبيان ما هو من ثمرات العلم: ﴿إن الذين تولوا منكم﴾ أي عن القتال ومقارعة الأبطال ﴿يوم التقى الجمعان﴾ أي من المؤمنين والكفار ﴿إنما استزلّهم﴾ أي طلب زللهم عن ذلك المقام العالي ﴿الشيطان﴾ أي عدوهم البعيد من الرحمة المحترق باللعنة ﴿ببعض ما كسبوا﴾ أي من الذنوب التي لا تليق بمن طلب الدنو إلى حضرات القدس ومواطن الأنس من ترك المركز والإقبال على الغنيمة وغير ذلك، فإن القتال في الجهاد إنما هو بالأعمال،


الصفحة التالية