ولما كان الناشيء عن الإرادة إما قولاً أو فعلاً، وكان الفعل قد يكون قلبياً قال: ﴿وكان الله﴾ أي المختص بجميع صفات الكمال ﴿سميعاً﴾ أي بالغ السمع لكل قول وإن خفي، نفسياً كان أو لسانياً ﴿بصيراً *﴾ أي بالغ البصر لكل ما يمكن أن يبصر من الأفعال، والعلم بكل ما يبصر وما لا يبصر منها ومن غيرها فيكون من البصر ومن البصيرة، فليراقبه العبد قولاً وفعلاً.
ولما كان ذلك من أحسن المواعظ لقوم طعمة الذين اعتصبوا له، التفت إليهم مستعطفاً بصيغة الإيمان، جائياً بصيغة الأمر على وجه يعم غيرهم، قائلاً ما هو كالنتيجة لما مضى من الأمر بالقسط من أول السورة إلى هنا على وجه أكده وحث عليه: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان بألسنتهم ﴿كونوا قوَّامين﴾ أي قائمين قياماً بليغاً مواظباً عليه مجتهداً فيه.
ولما كان أعظم مباني هذه السورة العدل قدمه فقال: ﴿بالقسط﴾ بخلاف ما يأتي في المائدة فإن النظر فيها إلى الوفاء الذي إنما يكون بالنظر إلى الموفى له ﴿شهداء﴾ أي حاضرين متيقظين حضور المحاسب لكل شيء أردتم الدخول فيه ﴿لله﴾ أي لوجه الذي كل شيء بيده لا لشيء غيره ﴿ولو﴾ كان ذلك القسط ﴿على أنفسكم﴾ أي فإني لا أزيدكم بذلك إلا عزاء، وإلا تفعلوا ذلك قهرتكم على الشهادة على أنفسكم على


الصفحة التالية
Icon