قد أبان الناس عند الأمر والنهي بين مقبل ومعرض، وكان قد أمر المقبل بجهاد المعرض، وكان للجهاد. بما له من عظيم النفع وفيه من المشقة - مزيدُ خصوصية، أفرد بالذكر تأكيداً لما مضى منه وإعلاماً بأنه للعاصي مطلقاً سواء كان بالكفر أو بغيره فقال: ﴿وجاهدوا في سبيله﴾ أي لتكون كلمته هي العليا ﴿لعلكم تفلحون *﴾ أي لتكون حالكم حال من يرجى نيله لكل ما يطلبه، وهذا شامل لكل أمر بمعروف ونهي عن منكر في أعلى درجاته وأدناها.
ولما كان ترك هذه الأوصاف الثلاثة: التقوى وطلب الوسيلة والجهاد مزيلاً للوصف الأول وهو الإيمان، ناسب كل المناسبة تحذيراً من تركها ذكرُ حال الكفار وأنه لا تنفعهم وسيلة في تلك الدار فقال معللاً لما قبله: ﴿إن الذين كفروا﴾ أي بترك ما في الآية السابقة، ورتب الجزاء عن الماضي زيادة في التحذير ﴿لو أن لهم ما في الأرض﴾ وأكد ما أفهمه الكلام من استغراق الظرف والمظروف فقال: ﴿جميعاً﴾ أي مما كان يطلب منهم شيء يسير جداً منه، وهو الإذعان بتصديق الجنان إنفاق الفضل من المال، وزاد الأمر هولاً بقوله: ﴿ومثله﴾ ولما كان لدفع الفداء جملة ما ليس له مفرَّقاً قال ﴿معه﴾.
ولما كان المقصود تحقير ذلك بالنسبة إلى عظمة يوم التغابن وإن كان


الصفحة التالية
Icon