أي شهدوا هذه الشهادة والحال أنهم قد غرتهم ﴿الحياة الدنيا﴾ أي الحاضرة عندهم إذ ذاك الدنية في نفسها لفنائها، عن اتباع الرسل دأب الجاهل في الرضى بالدون والدابة في القناعة بالحاضر، فشهادتهم ضارة بهم، ولكن لم يستطيعوا كتمانها، بل ﴿وشهدوا﴾ أي في هذا الموطن من مواطن القيامة الطوال ﴿على أنفسهم﴾ أيضاً بما هو أصرح في الضرر عليهم من هذا، وهو ﴿أنهم كانوا﴾ جبلة وطبعاً ﴿كافرين *﴾ أي غريقين في الكفر، ويجوز أن يكون الغرور بأنهم ظنوا أحوال الآخرة تمشي على ما كانوا يألفونه في الدنيا من أن الاعتراف بالذنب والتكلم بالصدق قد ينفع المذنب ويكف من سورة المغضب حتى يترك العقاب ويصفح عن الجريمة، فلذلك شهدوا بإتيان الرسل إليهم وإقامة الحجة عليهم، وشهدوا على أنفسهم بالكفر، فما زادهم ذلك إلا وبالاً وحزناً ونكالاً.
ولما ذكر سبحانه إقامة الحجة على الكافر في المعاد بالرسل عليهم السلام، علل إرسالهم ترغيباً وحثاً في اتباعهم في أيام المهلة بعد ترهيب، وتنبيهاً وإرشاداً في صادع تخويف وتأديب فقال: ﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم الجدوى هو أن أرسلنا الرسل ﴿أن﴾ أي لأجل أنه ﴿لم يكن ربك﴾ أي المحسن إليك بتشريف قومك ﴿مهلك﴾ أي ثابتاً إهلاكه ﴿القرى بظلم﴾