أتاهم أمر من قبلنا ﴿بالباطل﴾ من قولهم: لو كنتم صادقين لأتيتم بما نطلب منكم، مع أن ذلك ليس كذلك لأنه ليس لأحد غير الله من الأمر شيء ﴿ليدحضوا﴾ أي ليزلقوا فيزيلوا ويبطلوا ﴿به الحق﴾ الثابت من المعجزات المثبتة لصدقهم.
ولما كان لكل مقام مقال، ولكل مقال حد وحال، فأتى في الجدال بصيغة الاستقبال، وكان اتخاذ الاستهزاء أمراً واحداً، أتى به ماضياً فقال تعالى: ﴿واتخذوا﴾ أي كلفوا أنفسهم أن أخذوا ﴿ءاياتي﴾ بالبشارات التي هي المقصودة بالذات لكل ذي روح ﴿وما أنذروا﴾ من آياتي، بني للمفعول لأن الفاعل معروف والمخيف الإنذار ﴿هزواً *﴾ مع بعدهما جداً عن ذلك، فلا بالرغبة أطاعوا، ولا للرهبة ارتاعوا، فكانوا شراً من البهائم.
ولما حكي عنهم هذا الجدال، والاستهزاء والضلال، وصفهم بما يموجب الخزي فقال - عاطفاً على ما تقديره: فكانوا بذلك أظلم الظالمين: ﴿ومن أظلم﴾ منهم - استفهاماً على سبيل التقرير، ولكنه أظهر للتنبيه على الوصف الموجب للإنكار على من شك في أنهم أظلم. فقال تعالى: ﴿ممن ذكر﴾ أي من أيّ مذكر كان ﴿بأيات﴾ أي علامات ﴿ربه﴾ المحسن إليه بها؛ قال الأصبهاني: وهذا من أفصح


الصفحة التالية
Icon