ولما كانوا ينكرون أنهم على كفر، أكد قوله: ﴿وإن كثيراً من الناس﴾ مع ذلك على وضوحه ﴿بلقاء ربهم﴾ الذي ملأهم إحساناً برجوعهم في الآخرة إلى العرض عليه للثواب والعقاب ﴿لكافرون﴾ أي لساترون ما في عقولهم من دلائل وحدانيته وحجج قدرته وحكمته ستراً عظيماً، كأنه غريزة لهم، فهم لذلك يكذبون بما وعدكم سبحانه من إدالة الروم على الفرس، فلا يهولنكم ذلك لأنهم قد كذبوا بما هو أكبر منه، وهو الآخرة على ما لها من الدلائل التي تفوت الحصر، وإذا راجعت ما تقدم في آية الأنعام ﴿وهو الذي خلقكم من طين﴾ [آية: ٢] ازددت في هذا بصيرة.
ولما أقام عليهم الدليل، أتبعه التهديد والتهويل، فقال عاطفاً على «أولم يتفكروا» ﴿أولم يسيروا﴾ ولما أحاطت آثار المكذبين بمكة المشرفة شرقاً وغرباً، وجنوباً وشمالاً، بديار ثمود وقوم فرعون وعاد وسبأ وقوم ولوط، عرف وأطلق فقال: ﴿في الأرض﴾ أي سير اعتبار وتأمل وادكار من أي جهة أرادوا، وفيه إشارة إلى أنهم واقفون عند النظر في ظاهر الملك بأبصارهم، قاصرون عن الاعتبار في باطن الملكوت بأفكارهم، وفيه هزٌّ لهم إلى امتطاء هذه الدرجة العلية، بهذه العبارة الجلية ﴿فينظروا﴾.
ولما كان ما حل بالماضين أمراً عظيماً، نبه على عظمه بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال: ﴿كيف كان﴾ أي كوناً لا قدرة على الانفكاك عنه،