﴿بالذكر﴾ الذي لا ذكر في الحقيقة غيره ﴿لمّا جاءهم﴾ من غير توقف أصلاً فدل ذلك منهم على غاية العناد ﴿وإنه﴾ أي والحال أنه ﴿لكتاب﴾ أي جامع لكل خير ﴿عزيز *﴾ أي لا يوجد مثله فهو يغلب كل ذكر ولا يغلبه ذكر ولا يقرب من ذلك، ويعجز كل معارض ولا يعجز أصلاً عن إقعاد مناهض.
ولما كان من معاني العزة أنه ممتنع بمتانة رصفه وجزالة نظمه وجلالة معانيه من أن يلحقه تغيير ما، بين ذلك بقوله: ﴿لا يأتيه الباطل﴾ أي البين البطلان إتيان غلبة فيصير أو شيء منه باطلاً بيّنا، ولما كان المراد تعميم النفي، لا نفي العموم، أدخل الجار فقال: ﴿من بين يديه﴾ أي من جهة الظاهر مثل ما أمر أخبر به عما كان قبله ﴿ولا من خلفه﴾ من جهة العلم الباطن مثل علم ما لم يشتهر من الكائن والآتي سواء كان حكماً أو خبراً لأنه في غاية الحقية والصدق، والحاصل أنه لا يأتيه من جهة من الجهات، لأن ما قدام اوضح ما يكون، وما خلف أخفى ما يكون، فما بين ذلك من باب الأولى، فالعبارة كناية عن ذلك لأن صفة الله لا وراء لها ولا أمام على الحقيقة، ومثل ذلك ليس وراء الله مرمى، ولا دون الله منتهى، ونحوه مما تفهم العرب ومن علم لسانها


الصفحة التالية
Icon