لما ختمت الممتحنة بالأمر بتنزيهه سبحانه عن تولي من يخالف أمره بالتولي عنهم والبراءة منهم اتباعاً لأهل الصافات المتجردين عن كل ما سوى الله لا سيما عمن كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، افتتحت الصف بما هو كالعلة لذلك فقال: ﴿سبح لله﴾ أي أوقع التنزيه الأعظم للملك الأعظم الذي له ﴿ما في السموات﴾ من جميع الأشياء التي لا يغفل من أفلاكها ونجومها وغير ذلك من جواهرها وأعراضها في طلوعها وأفولها وسيرها في ذهابها ورجوعها وإنشاء السحاب وإنزال المياه وغير ذلك. ولما كان الخطاب مع غير الخلص أكده فقال: ﴿وما في الأرض﴾ أي بامتثال جميع ما يراد منه مما هو كالمأمور بالنسبة إلى أفعال العقلاء من نزول المياه وإخراج النبات من النجم والشجر وإنضاج الحبوب والثمار - وغير ذلك من الأمور الصغار والكبار.
ولما كان امتثال غير العاقل وعصيان العاقل ربما أوهم نقصاً قال: ﴿وهو﴾ أي وحده لا شريك له ﴿العزيز﴾ أي العظيم النفع الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، ويعسر الوصول إليه ﴿الحكيم *﴾ أي الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها، فما مكّن العاقل من المعصية إلا لإظهار صفات الكمال من العلم والقدرة والحلم والكرم والرحمة