ولما كان التين أحسن الفواكه تقويماً فيما ذكروا من فضيلته، وهو مع كونه فاكهة شهية حلوة جداً - غذاء يقيم الصلب وقوت كالبر وسريع الهضم، ودواء كثير النفع يولد دماً صالحاً وينفع الرئة والكلى ويلين الطبع ويحلل البلغم ويزل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال، فكان جامعاً لجميع منافع المتناولات من الغذاء والتفكه والتحلي والتداوي، فهو كامل في مجموع ما هو فيه من لذة طعمه وكثرة نفعه، وكونه كفاكهة الجنة بلا شائبة تعوق عن أكله من صنوان يتعب أو نوى يرمى، مع أنه ينتفع به رطباً ويابساً، وهو مع ذلك في سرعة فساده وسوء تغيره أسفلها رتبة وأردؤها مغبة، فهو كالفطرة الأولى في مبدئه سهولة وحسناً وقبولاً لكل من الإصلاح والتغير، كآخر الهرم عند نهايته في عظيم تغيره بحيث إنه لا ينتفع بشيء منه إذا تغير، وغيره من الفواكه إذا فسد جانب منه بقي آخر فكان في هذا كالقسم للسافل من الإنسان أقسم الله تعالى به فقال: ﴿والتين﴾ بادئاً به لأن القسم المشار به إليه أكثر، فالاهتمام به أكبر.
ولما كان الزيتون في عدم فساد يطرقه أو تغير يلحقه، وفيه الدسومة والحرافة والمرارة، وهو إدام ودواء مع تهيئه للنفع


الصفحة التالية
Icon