قال صاحب (الفوز الكبير في أصول التفسير) رحمه الله تعالى:... (معاني القرآن المنطوقة لا تخرج عن خمسة علوم: علم الأحكام، وعلم المخاصمة والرد على الفرق الضالة، وعلم التذكير بآلاء الله، وعلم التذكير بأيام الله، وعلم التذكير بالموت وما بعده، فوجود العقائد الباطلة سبب لنزول آيات لمخاصمة، ووجود الأعمال الفاسدة وجريان المظالم فيما بينهم سبب لنزول آيات الأحكام، وعدم تيقظهم بآلاء الله، وأيام الله، ووقائع الموت وما بعده سبب لنزول آيات التذكير.
قال بعض العارفين: إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة. ولما ساق المفسرون الوجوه البعيدة في التفسير، صار علم التفسير نادرًا كالمعدوم.
ومن المواضع الصعبة في فن التفسير معرفة الناسخ والمنسوخ، فمعنى النسخ عند المتقدمين: إزالة بعض الأوصاف من الآية بآية أخرى، إما بانتهاء مدة العمل، أو بصرف الكلام عن المعنى المتبادر، أو بيان كون قيد من القيود اتفاقيًا، أو تخصيص عام، أو بيان الفارق بين المنصوص، وما قيس عليه ظاهرًا، أو إزالة عدة الجاهلية أو الشريعة السابقة، فاتسع باب النسخ عندهم، وكثر جولان العقل هنالك، واتسعت دائرة الاختلاف.
والمنسوخ باصطلاح المتأخرين عدد قليل قريبًا من عشرين آية، وفي أكثرها نظر، ولا يتعين النسخ إلا في خمس آيات: الأولى، قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ منسوخة بقوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ) الآيات. الثانية: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً


الصفحة التالية
Icon