ومنها ضيق الحال، وعدك المعونة على الاشتغال.
ومنها إِقبال الدُّنيا، وتقلُّد الأَعمال، وولاية المناصب، وهذا من أَعظم الموانع.
ثم اعلم أَنَّ للعلم عَرْفاً ينُمُّ على صاحبه، ونوراً يُرشد إِليه، وضياء يشرق عليه؛ فحامل المسك لا تخفى روائحه: معظَّم عند النفوس الخيِّرة، محبّب إلى العقلاء، وجيه عند ذوى الوجوه، تتلقَّى القلوبُ أَقواله وأَفعاله بالقبول. ومن لم يظهر أَمارات علمه فهو ذو بطانة، لا صاحب إِخلاص.
القول في حصر العلوم
كل علم فإِمّا أَن يكون مقصوداً لذاته أَو لا.
والأَوَّل العلوم الحِكْميّة الإلهية. والمراد بالحكمة هاهنا استكمال النَّفش الناطقة قوَّتيْها: النظريّة، والعلميّة بحسب الطَّاقة الإِنسانيّة. والأَوَّل يكون بحصول الاعتقادات اليقينيّة فى معرفة الموجودات وأَحوالها. والثانى يكون بتزكية النفس باقتنائها الفضائل، واجتنابها الرَّذائل.
وأَمَّا الثانى - وَهو ما لا يكون مقصوداً لذاته، بل يكون آلة لغيره فإِمَّا للمعانى - وَهو علم المنطق - وإِمَّا لما يتوصَّل به إِلى المعانى، وهو اللفظ والخَطّ: وهو علم الأَدب.
والعلوم الحِكْميّة النظريَّة تنقسم إلى أَعلى - وهو علم الإلهى - وأَدنى - وَهو علم الطَّبيعىِّ - وأَوسط وهو العلم الرياضىّ.