مقدمة

...
تقديم:
الموضوع، أهدافه، منهج البحث فيه، مصادره:
هذا بحث يعالج رسم المصحف، ومكانته في الاحتجاج للقراءات، وقد دفعني إلى معالجة هذا الموضوع رأي قرأته للعالم المستشرق: إجنتس جولدتسيهر في كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" مفاده: أن الخط العربي الذي كتبت به المصاحف لخلوه من النقط والشكل، كان سببًا في اختلاف القراءات، وقد أدى إلى اختلافات نحوية ومعنوية أيضًا...
قرأت ما قال جولدتسيهر وتدبرته، فإذا بي أراه يهدم النقل عن الأئمة القراء، وينكر صلة هذه القراءات بالسند عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك: أن ما كان من هذه القراءات متصلًا بخصوصية الخط العربي -وهو كثير- ليس مما نزل به جبريل على قلب الرسول، وليس من الأحرف السبعة التي نص الرسول في صحيح ما روي عنه: "أن كلها شافٍ كافٍ"!! ومعنى ذلك أيضًا إنكار هذا القرآن في الجملة والتفصيل، ثم إنكار ما دار حول نصه الكريم من ثقافات متعددة الألوان، وفي ذلك من الخطورة ما فيه.
ولست أريد أن أزيِّف على القارئ الكريم، فأنكر أمامه أني دفعت أول الأمر بعاطفتي الدينية إلى دحض ما قرره "جولدتسيهر" لا! بل أذكر صراحة أن كلام "جولدتسيهر" أهاج عندي هذه العاطفة، وحملني حملًا على التفكير في الموضوع. ثم كان أن خليت ما بيني وبين هذه العاطفة من صلات ووشائج، وتناولت الموضوع بروح الباحث العلمي، البعيد عن التعصب الديني ومزالقه، ومكن لي من ذلك أن رسالتيّ الجامعيتين اللتين قدمتهما لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، كانتا متصلتين اتصالًا وثيقًا بهذه الدراسات القرآنية١. وكنت أعد كلًّا منهما، ورأي "جولدتسيهر" ماثل أمام عيني، وفي خاطري لعلي أجد من الدلائل ما يثبته أو ينفيه...
١ موضوع رسالة الماجستير: الإمالة في القراءات واللهجات العربية.
وموضوع رسالة الدكتوراه: أبو علي الفارسي، حياته ومكانته بين أئمة العربية، وآثاره في القراءات والنحو.


الصفحة التالية
Icon