٢- جولدتسيهر والقراءات:
وأخلص بعد هذا العرض السريع إلى مناقشة "جولدتسيهر" حيث يقرر في كتابه "المذاهب الإسلامية" أن القراءات ترجع في معظمها إلى أن الخط العربي كان غفلًا من النقط والحركات، وأرجو أن أدفع ما رمى به عقيدة المسلمين في كتابهم المحفوظ إلى يوم الدين، ذلك أنه قال ما ترجمته: "والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب في ظهوره إلى خاصية الخط العربي؛ فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يقرأ بأشكال مختلفة؛ تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي، يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب، فهذه التكميلات للرسم الكتابي، ثم هذه الاختلافات في الحركات والشكل، كل ذلك كان السبب الأول "؟؟ " لظهور حركة القراءات فيما أهمل نقطه، أو شكله من القرآن"١.
فها نحن أولاءِ نراه يرجع اختلاف القراءات إلى سببين رئيسين:
أ- تجرد المصحف من النقط.
ب- عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي.
ثم ضرب أمثلة لألفاظ وقع فيها الاختلاف بين القرّاء، وكان ذلك الاختلاف نتيجة تجرد المصحف من النقط مثل: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ ٢ بالباء الموحدة، وفي قراءة: "تستكثرون" بالثاء المثلثة٣. وفي هذه السورة٤: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ ٥ بالباء وفي قراءة: "نشرا"٦.

١ المذاهب الإسلامية: ص٤.
٢ سورة الأعراف: آية ٤٨.
٣ لم ترد هذه في القراءات الأربع عشرة، انظر إتحاف فضلاء البشر: ٢٢٥.
٤ آية ٧٥.
٥ هي قراءة عاصم، انظر النشر ٢ ص٢٦٩، وقرأ ابن عامر: "نُشْرًا"، وقرأ حمزة والكسائي: "نَشْرًا".
٦ وقرأ الباقون: "نُشُرًا".


الصفحة التالية
Icon