بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم الأستاذ الدكتور/ حسن عباس زكى نحمدك اللهم، فاتح كنوز الغيب للصفوة من عبادك، مانح فيض علمك للخلاصة من خلقك، فاستودعت قلوبهم خفىّ سرك، وأشهدت أرواحهم حقيقة أمرك، فكانوا أعرف عبادك بمضمرات إشاراتك، وأفهمهم لمعانى كلامك، فإن نطقوا فهم تراجمة لوحيك، وإن عبّروا فهم ألسنتك تخبر بمرادك، وإن فاهوا فإنما يفصحون عن بديع حكمك. أعززتهم بما توجتهم من العلم والعرفان، فعزّوا على الناس بما خصوا به من أسرار معجم القرآن، وحلّهم لطلاسم ورموز الفرقان.ولمّا لم يسعف العقل بعض الناس بفهم تلك الإشارات، ولم يحيطوا بإدراك تلك المذاقات، أنكروا مقالهم، وجحدوا حالهم، وغاب عنهم اختصاصهم، وفاتهم أن الحق هو المتكلم فيهم، وأنهم مشيرون به، أو هو المشير بهم، «فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سألنى أعطيته، ولئن استعاذنى لأعيذنّه» «١»، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «٢».
ونصلى ونسلم عليك يا عين الحقائق، ويا قرآن جمع العلم والمعلوم، ويا فرقان الشرائع والعلوم، أنزل عليك ربك كتابا فى عالم الظهور، أنت سره وحقيقته، فكنت تعاجل جبريل به قبل النزول، كتابا منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، يفهمها الخصوص والعموم، وأخر متشابهات، يختص بفهمها أولو العلم الراسخون. صلى الله عليك وعلى آلك وأحبابك مشارق شموس العرفان، ومطالع كواكب الحقائق. المتبرءون من الأوهام والظنون، ما كرّت الأيام ومرت الدهور والسنون.
(أما بعد) : فإن القرآن كلام الله، وكلام الله صفته النفسية، والصفة تدل دلالة واضحة على الموصوف، وكما أن الموصوف- وهو الحق سبحانه- لا تدرك حقيقته فكذلك صفته.. لهذا وقفنا أمام كلام الله حائرين، لا نجزم بتحديد مراميه، ولا نقطع بأن ذلك التفسير عين مراد الحق منه لأن كلام الله القديم، إنما يفسره المفسرون بلغتنا
(١) الحديث أخرجه بطوله البخاري فى (الرقاق، باب التواضع) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٢) من الآية ٢٦٩ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ٢٦٩ من سورة البقرة.