وإن شئت قلت: قد نرى فكرتك أيها العارف في سماء المعاني، غائباً في شهود الأواني، فلنولينك قبلة ترضاها، وتتلذذ بشهود جمالها وسناها، وهي الحضرة المطهرة التي هي صلاة القلوب، فولّ وجهك ووجهتك إلى تلك الحضرة، وحيثما كنت فولّ وجهك شطره، ودم على صلاة الفكرة والنظرة، فهي صلاة العارفين، ومنتهى امل القاصدين، وبالله التوفيق.
ولمّا تحوّلت القبلة إلى الكعبة غضبت اليهود، حيث ترك قبلتهم، مكابرة وعناداً، وقالوا: لو بقي على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي المبعوث في آخر الزمان فنتبعه، فردَّ الله عليهم وكذبهم فقال:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٧]
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)
قلت: (ولئن) اللام موطِّئة للقسم، و (إن) شرطية، و (أتيت) فعل الشرط، و (ما تبعوا) جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط. قال في الألفية:
واحذِف لَدَى اجتماع شرطٍ وقسمْ | جوابَ ما أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ |